Monday, September 30, 2013

كان الله فى عون من لم يتعلم من التاريخ

الذَّكِىُّ مَنْ تَعَلّمَ مِنْ أخطاءِ الغَيْر ، والأقلُ ذَكَاءً مَن تَعَلمَ مِنْ أخطَائِهِ
أمّا مَن لَمْ تُعلمهُ أخطاؤُهُ فَكانَ اللهُ فى عَونِهِ
التاريخُ هُو المُعّلِم الأول للآدمية ، كل الشعوب تعلمت بدراستة وأحداثه ، إلا أنّ الدُول إختلفت في قدر إستيعاب الدروسِ من التاريخ ؛ فبينما تَعلمت بَعضُها بِسرعةٍ ، تأخر البعضُ الآخر في الإستفادةِ مِن التاريخ وإستيعاب الدروسِ منه .
          ولكن كَيف تَستَوْعب الأمم العِبَر عن التاريخ ، فَمن المُؤكد أنّها لا تَستوعِبها بِطريقةٍ مُباشرة ، فهى بالتأكيدِ لا تَستَوعبها بِواسطةِ المُواطِنينَ قَليلوا أو مُتَوَسِّطوا التَّعليم ، وقَد تَستوعِب الأُمَم بِواسطةِ المُتعلمون ، إلا أنّه مِنَ المؤكد أنّ الأُمم تَستوعبُ التاريخ مِن خِلال كتاباتِ ومُلاحظاتِ الفَلاسِفَةُ والمفكرين . فَبِقدرِ وُجودِ هذهِ الفئة وبِقدرِ إرتفاعِ فكرِها ، وبقدرِ جُهُودِها فى شَرحِ وتَحليلِ الوقائع للشعب ، تَسْتَوعبُ الأمم وتستفيدُ مِن خِبراتِ الآخرين في وقتٍ أَقل . كما وأنَّ بُعْد تِلك الفِئة عن المُعترك السياسى هُو الضمان الأول لِحيدَةِ رأيِهَا ، وبُعْدَه عن التأثّرِ بأهوائِها وأفضلياتِها الشخصية .
          أمّا فى حالةِ خُلو سَاحةَ الوَطن مِن فِئة الفَلاسِفة والمُفكرين ، فإنّ سَاحة الفكرِ تَزْدَحم بِالسياسيين الذين يُرَوِّجونَ لِتَوجهاتٍ مُختلفة ، فِيما يَبْنى كُل فريقٍ سياسى تَوجهَاتِه بِناءً عَلى مَا يَظُنُ أنّها تَخدمُ مَصالِح الفريق . فتصل الأُمّة إلى حَالةٍ من الجُمود الفِكرى .
          ولكنّ الثابت من التاريخ أن هذا الأُسلوب لم يَخْدِم الوطن ، فضلاً عن أنّه لم يَخدم التّيار السياسى الذى سَارَتْ الأُمة على تَوجهاتِه التى نَقلَها لهم .
          في هذا الوضع من الجمودِ والتَحجرِ الفِكرى وضَعَتْ مِصرُ نَفسها في هذه الفَترة . فيمكن القول بأنّ مِصر في فَترةٍ إنتقاليةٍ إستمرت من فبراير 2011 حتى اليوم .
          الفترة الإنتقالية مِن طَبيعتِها أنّها لا تِتْسِعُ لأىِ أفكارٍ إصلاحية ، فَهِى تَبقى إمتداداً للفَتْرَةِ التى تَسْبِقُها ، فَلا تَوجه واضح لِلإدارةِ خَاصةً في المَسَائِلِ الإقتصاديةِ الشائكة ، لا يُوجَد مُتخِذٌ لِقرار ، ألخوفُ هو طَبيعَةُ المسئولينَ في هذه الفترة ، وهو أمرٌ طبيعى فإنّ الأُمة لم تُحَمِّلُهم مسئولِيةَ الإصلاح ولن تحاسبهم عليه ، فمسئولية الإصلاح لا تَأْتى إلا عن طَريق إدارةٍ منتخبةٍ . فهل يمكن أن تستمرَّ سِياساتِ الأُمة إمتداداً لِلفترةِ السّابقة وأن نتوقعَ نَتائجَ مُختلفة .
          فَانّهُ في خِضَمِ المَطالبِ مِنْ كِتابة دُستورٍ إلى إختيارِ نِظامٍ إنتخابى إلى إقرارِ الأمْن إلى إنقاذِ الإقتصادِ إلى تَطويرِ حياةِ النّاس ، فإننا يَجبُ علينا أنْ نُحددَ الأولويات . فَيطفو عَلى السطح مُباشرةً أنّ الأولوية هِى إصلاح حَياةِ الناس وإنقاذ الأقتصاد من الإقتراض الذى لا يَصْلُح أن يَسْتَمرَ مَنهَجا للدولة .
          ولكنّ الإقتصاد لا يُمكن اصلاحه بِواسطةِ ادارةٍ إنتقالية ، واستمرارِ حَالة التردى الإقتصادى ستأتى بِحالةٍ مِن الفوضى لا مَحالة ، وتؤهلُ لَثورةٍ أخرى ، وتُؤهل مرة أخرى لأغلبيةٍ يَحصلَ عليها التيارُ الدينى .
          إنّ الأمة تستطيع أن تَتَقدم بِدستورٍ ضعيف إذا كانَ هُناك إدارةً جيدةً رَشيدة ، بَينما لا يُمكن أنْ تَتقدّمَ الأمةُ بادارةٍ سيئةٍ أو ضَعيفة مهما كان فضل دستورها .
          وكنت قد كتبت فى مَراتٍ سابقةٍ أولُها في الأيامِ التالية للثورة في ترتيبِ الأولويات مَا نَصَّ على الأتى :
الإنتقال الى حُكمٍ مَدَنى
والتالى ماقد يَكون برنامجا محددا للوصول إلى ديمقراطيةٍ فَعَّالة فيما يُشْبه إعلانا توافقت عليه الأمة .
1.     انتخاب رئيسٍ للجمهورية يترشَّح له من يرغب من الكَافَّة ويَنْجَح صاحبُ الأغلبية المطلقة للأصوات .
2.     يتحدد فَصْلُ سلطة القضاء عن رئيس الجمهورية .
3.     يتولى الرئيس فَوْرَ انتخابه المهام الآتية بالاضافة لادارة البلاد :
         أ‌-    الدعوة لانتخاب مجلس للشورى يَتَرشَّح له الكافة من الحاصِلين عَلى قدرٍ محدَّدٍ من التعليم العالى ، وتُمَثَّلُ فيه كُلّ محافظةٍ بعددٍ متساوٍ من النُوَّاب ، وتكون من صَلاحيته إقرار القوانين الضرورية فى الفترة القادمة والموافَقة على التَعيينات التى يُعينها رئيس الجمهورية .
                    ب‌-       الدّعوة لانتخاب مُحافِظين ومَجالس مَحلية للمحافظات لتخاطب آمال المواطنين .
        ت‌-   أَنْ يَتَولَّى فور تَولِّية السلطة العمل على إصلاح الأحزاب السياسية من خلال المؤتمرات والمباحثات حتى تَحْصُلَ مصر على عَدَدٍ مُنَاسبٍ من الأحزاب فتكون دعامات النظام الديمقراطى .
                    ث‌-       الدعوة لانتخاب مجلس للشعب يقوم على أساس الأحزاب بعد إصلاحها .
                    ج‌-        عمل دستور جديد للبلاد يحقق آمال الأمة من خلال المجالس النيابية ، وهيئة تأسيسية مُنْتَخبة .
4.     أَنْ يتم ذلك كله فى إطار برنامج زَمَنىٍّ مُحَدد يُرَاقب تطبيقَه كل كم الرئيس ومجلس الشورى  والمجلس الأعلى للقوات المسلحة .
5.     تنتقل الِبلاد للإدارة المدنية .

          وليس سَردى لِما كتبتُ قديماً يَهدِفُ إلى أن نكررُه ، وإنما لنتأمل فى وضعِ مِصر لو كانت قد أخذت بِه ، فعلى الأقل كُنا سَنحافِظُ على رَصيدِ الإحتياطى الدُولارى بِما يُغْنِى الأمّة عن الإقتراض ، وإنما قد نَأخُذ بِبَعْضِه الأن بَعد تجربةِ العامان ونصف ، بأنّ نُعدل بَعضَ البنود ، خَاصّةً ما يُتيح منها للقواتِ المسلحةِ من مراقبةِ الإدارةِ السياسيةِ المنتخبةِ للبلاد طالما كانت لا تَشَذُّ عن النَامُوس الطبيعى للإدارة .
          كما يَجب أن نُحدد الأخطاء التى وقَعت فيها الأُمة في الفترة السابقة وهى إنتخاب رئيسٍ سيىءٍ لم يعمل ما يَجبُ عليه مِن إصلاحِ الإقتصاد ، وأتى بِأعمالٍ سيئةٍ مِنها إقرار دستورٍ سيىء .
          ولا يَجب أنْ يُثنينا إختيار رئيسٍ سيىء عن تكرارِ المُحاولة لإنتِخابِ رئيسٍ يفى بتطلعاتِ وآمالِ الأمة .
          ولا تُفيدُ صياغةَ دستورٍ سريعٍ لا تَوافقَ عليه ، ولم يَحظى بِحوارٍ إجتماعى شاملٍ ، ويٌقيِّدُ سُلطاتِ الرئيس بِشكلٍ مُعوقٍ لِتطبيقِ رُؤيته لِتقدمِ الأمة ، وهو ما يؤهل على أقل تقدير لإدخالِ الرئاسة فى بيروقراطيةِ الإدارة المُعوقة ، ويَكفى في هذا الصددْ إعمالَ مبادىء الرِّقابةِ والحساب .
          ويجب ألا ننسى أن أغلبَ الدُّول المتقدمة طَرحت دَساتِيرها بَعد سَنواتٍ مِن الحِوارِ الوَطنى ، فإنّ قيمةَ الدستورِ فى إلتفافِ الشّعب حَوله ولَيس بِإجبارِ الناسِ عليه ، وأَنَّ الإستفتاءَ عَليه لا يُفيد إلتفاف الأمة حَولَه ، فإنّ المُجتمع الإنتخابى يَحوى عَلى نِسبة عالية من الأمية .

                                                   عبد السلام الشاذلى

Saturday, September 21, 2013

مجلس الشورى بين الإقرار والإلغاء

مجلس الشورى بين الإقرار والإلغاء

          ترددت لجنة العشرة لتعديل الدستور بين الإقرا والإلغاء ، ثم إلتفتت عن الأمر وتركت المشكلة لتحلها لجنة الخمسين .  وقد يحسن أن أبين أن هذا الأمر هو من الأمور التى لا يصلح التوافق فيها ، بل يلزم الأخذ برأى الخبراء السياسيين خاصة الدارسين لتاريخ الأمم وتأثير دساتيرها على تقدمها ، وما نفعها من ترتيبات دساتيرها . ولا يفيد فى هذا المجال الإدعاء بأن الإنسان المصرى مختلف عن الإنسان فى باقى دول العالم ؛ فإن ما نجحت به الأمم ستنجح به مصر لا محالة . وقد حدد جيمس ماديسون الأكبر تأثيرا فى صياغة الدستور الأمريكى الأتى :
" فِى َترتيب الحُكومة لفَرض سُلطتِها بِواسطة رِجالٍ ، على رجالٍ آخرين ، فإنَّ أكثرَ الصُعوباتِ شَأنا هىَ أنك تُعطى سُلطةً للحُكومة أولاً للسيطرةِ على المُواطِنين ، ثُمَّ فى المكانِ التَالى تُجْبِرُها على أَنْ تُراقِبَ نفسَها فى استخدامِ تلك القوة " .
من هُنَا نشأ وجُوب تَعددِ السُلطات لِرقابة بَعضها بعضا . ومن هنا أيضا وَضُحَ أَنَّهُ من الخطأ أنْ تُمنَحَ سُلطاتٌ غيرُ محدودةٍ لأىَّ من الرئيسِ أو البَرلمان ، أو لكلَيْهما معاً مَهما تَوافرتْ النَوايا الحَسنة لكلٍ أو لأىٍ من السُلطتين ، فإنَّه تُوجُد دائما بعض المخاطر مِن السقُوطِ فى الدكتاتورية  . وتأسيسا على هَذا الفِكر فقد تَمَّ تفتيت السلطةِ إلى سُلطةٍ تَشريعيةٍ ، وسلطةٍ تنفيذيةٍ ، وسلطةٍ قضائية .
ولذا فإنَّه يتَعيَّنُ للحُصولِ عَلى الديمُقراطية لَيْسَ فقط أَنْ تعملَ كل سُلطةٍ مستقلةٍ عن السُلطاتِ الأخرى ، بل إنَّه يَجِبُ أيضا منحُ كلٍ منها بَعضَ القُوى لِكَبحِ جِماحِ السُلطاتِ الأخرى . والهدفُ مِن هذا ، هو خَلْقُ توازُنٍ فى مُمارسةِ السُلطةِ لِتلك الهيئات .
وبِهذا المَعنى تَمَّ تأسيس مبدإ الإحتياج لِمَجلَسيْن تَشريعَييْن ، بِحيثُ يَتولى كلُ مجلسٍ لمجموعةٍ من الصَّلاحيات ، بالإضافةِ إلى دور المجلَسيْن فى سَنِّ القوانين ، مِثل اختصاص مجلسِ الشيوخ بالموافقةِ بالأغلبيةِ المطلقة على تَعييناتِ الوظائفِ العليا ، بمَا فيها المَحكمةِ العليا ، الذين يُرَشِّحهم الرئيس .

بَينما أُعطى الحقُ للرئيس فى الاعتراض على القوانين ، بحيثُ لايتم التغلب على هذا  الاعتراضِ إلا باغلبيةِ ثلثى الأعضاء . كما أُعطى لنفس المجلس الحق فى الموافَقة عَلى المُعاهدات بأغلبِية ثُلثى الأعضاء . بَينما أُعطيت سُلطة تحدِيدِ ومراقبةِ الميزانيةِ العامةِ للدولة لمجلسِ النواب ، وكذا إنشاء الضَرائب العَامة والخَاصة . وللمجلسين معاً سلطةُ إِعلانِ الحرب وتَوفيرِ المَواردِ المَالية اللازمةِ لها بينما مُنِحَ رئِيسُ الجمهورية القِيادةَ العليا للقواتِ المسلحةِ . بهذا الأسلوب تصبحُ السُلطةُ مفتتةً أو ذائبةً فى كياناتٍ مختلفةٍ بحيثُ يُصبِحُ من المستحيل على أَىَّ سلطةٍ منفردةٍ أن تحوزَ أيةَ سلطاتٍ طاغيةٍ .
وقد يُطِلقُ البَعضُ على مثل هَذه التَرتيبات أوصَافاً عديدةً ، مثل التوسُعِ فى مصروفاتِ الإدارة بعمل مجلسين أومثل التَعْوِيقِ أو عدمِ الكفاءةِ أو البيروقراطيةِ فى تقدمِ الأمة ، إلا أَنَّه يَصعُب إيجادِ طريقٍ أسهلَ من ذلك للحفاظِ على حريةِ الشعب . كما جَاءَ ذلك فى حَيْثياتِ أحد الأحكامِ القضائيةِ الشهيرةِ للمحكمة العليا الأمريكية فى هذا الشأن " أَنَّ هذه الإجراءات تُعْتَبرُ ثمناً زهيداً مُقابل مكاسبِ الحرية " .
كما أَنَّه مَنْهجياً ، فإنَّ ديمقراطية الأُمةِ تستقرُ على أعمدةٍ من

وبمراجعة التاريخ فإن اعتماد فرنسا فى الجمهورية الثالثة والرابعة على مَجْلسٍ تشريعى واحدٍ أَسْقطَ الأمَّة فى قبضة دِكتاتُورية المجلس التشريعى الوحيد فيها ، وذلك بالإضافة إلى قيام المجلس بانتخاب رئيس الجمهورية ، وهو ما يجعل ولاءه للمجلس وليس للنَاخب مُباشرة . ولم تُفْلِحْ الوزارات العَديدة فى تَحْسين وضع سلطات البرلمان ، حتى أُسْقِط فى يَدِ الأمة ، واستُدْعِىَ ديجول . وكانت أُسُس الإصلاح فى هذه الحالة هِى إنشاء مجلسَيْن نيابَيْين متساويَيْن فى القوى ، بينما تختلف أُسُس الترشيح لكل منهما عن الآخر ، مما يُرَسِّخ التمثيل الجيد لِقُوى الشعب فى مجلس والمثقفين فى مجلس آخر .
ومن المُلاحَظِ أَنَّ الأُممَ قَدْ تَأْخُذ وَقتاً كبيرا للوصول إلى ديمقراطية متوازنة من خلال التجارب الدستورية ، إلا أَنَّ الدول التى أخذت بتجارب الآخرين وأنشأت دستورا متوازنا مبنياً على خِبْراتِ الآخرين اخْتصَرَتْ الوقت بِقَدْرٍ عَظِيمٍ ، ولنا عبرة فى دول الكتلة الشرقية التى إنفصلت فى التسعيناتمثل لتوانيا واستونيا وانشأت ديمقراطيات جيدة ، مبنية على تجارب الأخرين فيىما لا يجاوز الأشهر .
مِن الغَريب أن الدُستور المِصرى تَبنَّى نفس ايديولوجيات الدُستور الفَرنسى للجُمهورِيَّة الثالثة والرابعة ، مثل مَجلسٍ نيابىٍ واحد يَسُنُّ القَوانين والمَجلس الآخرُ بِلا سُلطات تَشريعية ، ورئيس الجمهورية َقائداً للبلاد لا يتحمل مسئولية قراراتِه بل يتحملها عنه رَئيس الوُزراء ، وعَدم وجُود اى فَصلٍ بين السلطات . فكَيف تصّورنا أن نَتبَنى نَفس السِياسات ونَحصل عَلى نَتيجةٍ مُختلفة ، حتّى بَعد أن وَضح لَنا أننا نَنْحَدرُ إلى نفسِ الهوه ، لم نأخذ بالحُلول التى أصْلَحت فرنسا .
إنّ حيَادِيَّة القُواتِ المُسلَّحة ، وبُعْدِها عن التَدخُّل فى السياسة له تَأثير كَبير فى وصُوُل الأمة إلى مبْتَغاها . وقَدْ ظَهرَ هذا جَليّاً فى التجربَة الفَرنسية ، حيث تدهورت الدولة بطريقة دراماتيكية حَالَ تَدخُّل القُوات المُسلحة فى مثل ما حدث فى عهد نابليون ، ثم مَرَّةً أُخرى فى عَهْدِ لويس فيليب ، بينما كان بُعْدُ القواتِ المسلحة من السَّاحة السياسية فى عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية ما مَكَّنَ القُوَى الوطنية من الوصول إلى تَرْتيبٍ جَيدٍ .
          إنَّ تَداخُلَ سُلطَاتِ رئيسِ الجمهورية ورئيس الوزراء يُعْتَبر من أَهمِّ مُعَوِّقاتِ التَقدُّم فى البلاد . وقد ظهر فى أوقاتٍ مُتَفرِقة من تاريخ فرنسا أنَّ الهدف من إنشاء مَنْصِب رئيسِ الوزراءِ فى دستورٍ رئاسىٍّ هو تحميله بِتبعاتِ القَرارات التى يُقرِّرها الرئيس . ومن المُفَضَّل دائما تَحْمِيلُ صَاحِب القرار لتبعاتِ قرارِهِ . 

وتبنت أمريكا فى دستورها وبريطانيا في نظامها الدستوري نفس المبدأ في تَحديد عَدم قُدرة الرئيس على حَلَّ مَجْلِس الشيوخ والنواب ، وأيضاً في ظِل التجديد النِصفي لأعضَائِه ، وأيضا مبدأ أن جميع أعضاء المجلسين الذين لهم حق التصويت منتخبون من القاعدة ، وهذه الترتيبات فى مُجْملها معمول بها في كل من فرنسا وأمريكا ، أما في بريطانيا فإنه يمكن القولُ بأن العُرْف البريطاني قد فَرضَ مثل هَذا الترتيب .   
وقد تَبنَّى الدستور الأمريكي هذا المبدأ حيث يُمثَّل رئيسُ الجمهورية حَالَ انتخابه بالأغلبية المطلقة ما يُوازِي ثُلثَ وزن سُلطة الأمة ، بينما يمثل البرلمان بمجلسيه ثلثي سُلطة الأمة ، وتبقى السلطة القضائية خارج المعادلة من خلال استقلالها التام عن السُلطتين .
ومن الملاحظ أنه في النظام الرئاسى ، ومع وجود مثل الضمانات التي تَحُدُّ من سُلطةِ البرلمان أو أحد مجلسيه ، فإنّ البرلمان يظل له السُلطة العليا في البلاد ، إذ لا يُمكن لقانونٍ ان يصدر إلا مِن خِلاله ، غير انه فى هذه الحَالة تُصبح سُلطة البرلمان أكثر ترشيداً وأكثر فائدةً للمجتمع .
إنّ معادلة قوة الهيئةِ التشريعيةِ بقوةٍ من الرئيس في هَيئاتٍ متعددة منها حَقُّ النقض للقوانين التي تٌصْدِرُها المَجالس التشريعية . وفي نفس الوقت إعطاء المَجالس التشريعية ، في معادلةٍ لقوةِ الرئيس ، الحقَ فى إقرارِ القانونِ نفسه بأغلبية ثلثي المجلس بعد رَفْضِه من الرئيس ، أى بِشِبْهِ إجْمَاعٍ لمُمثلى الأمة . وهو فى رَأْيِنا توازُنٌ جيد للسلطَتيْن حيث تعمل كل سُلطة حِسابا للأخرى ، وهو مانتَجَ عنه وجُود تُواصُلٍ بين السلطَتيْن فى سبيل حل مشاكلهما معا ، وهو ما يصب فى صالح الشعب .
20 سبتمبر 2013                                                                  عبد السلام الشاذلى                 

Monday, September 9, 2013

تعليق على مسودة التعديلات الدستورية التى نشرتها لجنة العشرة

تعليق على مسودة التعديلات الدستورية
التى نشرتها لجنة العشرة
        إنّ أصعبَ الأُمورِ فى صياغةِ الدّساتير هو أنه وثيقةٌ فى خُطوتِها الأولى يَمنحُ بها الشعب لِلحكومة سلطةٌ عليه لِتَفرِضَ بها عَليهِ النِّظام وتَحفَظَ الأمن وتطورَ من حَياتِهِ ، إلا أنه فى الخُطوةِ التَّالية يَسحبُ الشعب من الحكومةِ ما يُمَكِّنُها من إستخدام هذهِ السلطة فى قَهرِ الشّعب . وهذا تَوازناً حساساً يَجب التعامل معه بمنتهى الحذر ؛  فإنّه كُلما نَزَعَ الشعبُ من سُلطةِ الحكومة ، كلما قَيَّدَ يَدها ولم يُمكنها من خِدْمَةِ مصالح الشعب ، وأيضا كُلما أَفْرَطَ فى مَنْحِها السُلطة ، كلما مَكّنها من التَسَلِّط على الشعب . لذا فإن الدساتيرَ الناجحة هى تِلك التى يَتناقش فيها المُثقفون لإيجاد هذا التوازن الذى يتسق مع الأعراف السائدة فى المجتمع ؛ ولا يضير الدستور أن يترك بعض الحريات لبعض الأعراف التى يتفق عليها سكان منطقة محددة ، أو عرقية محددة ، أو عقيدة محددة ؛ فكلما إتسع الدستور للخلافات الفكرية فى المجتمع كلما إلتف المجتمع حوله . لهذا السبب إعتبر الدستور شأناً سياسياً يُصاغ بِواسطة القانونيون وليس العكس .
        كما يجب أن يقف من يتم إختياره من أهل السياسة لعمل الدستور ، موقفاً محايداً لا ينحاز إلى رغبات جماعته على حساب الجماعات الأخرى ، فإن الدستور فى هذه الحالة لن يعمر ولن يفيد جماعته أو من سواهم فإن قوة الدستور تقع فى أن يعمل الشعب من تلقاءِ نَفسهِ على الحِفاظ عليه .
        وقد سقطت دساتيرَ عديدةٍ فى مصر بسببِ إنحيازِ محرريها لفكرٍ أو لإتجاهٍ معين ، وهو أمر واضح فى التجربة المصرية وضوح شمس الظهيرة .
        وأتناولُ هنا التّعليق على التعديلاتِ التى رَشحتها لِجنة العشرة لِتعديلِ الدستور ، وقد كنت قد بينت سابقا مَيْزَاتِ عمل دُستورٍ جديد ،  فإننى أودُ أن أبين بعض النقاط العامة التى يلزم أن نأخذ بها فى شأن التعديلات :
1-    إنّ النص على مناصبَ معينة غيرَ قابلة لعزل شاغلها هو أمرٌ مُقيدٌ لِتَقدمِ الأمة ، فكيفَ إذا إنتُخِبَ رئيساً والمفترض أنّه تَقدمَ بِبرنامجٍ إنْتُخِبَ على أساسه وحَازَ على ثِقة الناس ، ثُم تُلزِمُه بمجموعةٍ من الموظفين ، ثم تُحاسِبهُ على عدم إنجازِ ما وَعَدَ بِهِ الأمة من تَقَدمٍ . إن الخَوفَ من إساءةِ إستخدامِ حقِ التعيين والإقالة لا يُبَرِّرُ مساوئَ نَزْعِ هذه السلطة ، والأفضل هو مَنحُ الرئيس سلطة تَعيينِ مُعاونيه وإقالتهم بشرط موافقةِ الهيئة التشريعية فى كلا الحالَتَيْنِ تَرشيداً لإستخدامِ هذه السُلطة . وقد أخذت العديدُ من الدول بهذا الأمر ، وقد تكون الولايات المتحدة هى أول من إتبع هذا ، حيث يراجع مجلس الشيوخ هذا الأمر . وقد أورَدتْ التعديلات فى موادها لِمناصبَ عديدةٍ أن شاغليها غير قابلين للعزل ، وأن النص ذاته هو مَدعاةٌ لفسادِ بعض شاغلى تلك الوظائف .
2-    أنه كلما قل عدد مواد الدستور أو الموضوعات التى يتعامل معها كلما كان الدستور ناجحاً . فكما علمنا الله فى كتابه بأن ترك العديد من الأمور دون تحديد أسلوب القيام بها ، قبولا منه عز وجل على أن نختلف بعض الشأن فيها ، وهو الذى لم يعجزه عز وجل أن يحدد المواريث على إتساعها فى آياتٍ معدوداتٍ لم تتجاوز بضعةَ أسطر . فإن للدستور أن يُحددَ وينشأ السلطات وأنْ يُقيم التّوازنَ بينها وأنْ يَرسم طريقا لِرقابةِ بَعضُها البعض إلّا أنّهُ يَجب أن يَدَعَ الباقى لينظمه القانون بواسطةِ الهيئةِ التشريعية . لذا فقد يكون الأفضل إزالة المواد الإنشائية من الدستور تلك التى ليسَ لها أحكاماً محددة .
3-    مَواد الحريات لَمْ تُعْلى حَقيقة معنى الحُرية ، وذهبت إلى الإلتفاف حول النصوص لنزع بعض الحريات مثل المادة (12) و (13) التى أجازت إجبار المواطن على عملٍ معين مقابلَ أجراً وهو ما يتعارض مفهوم الحرية . والمادة (43) والتى أجَازت فى بعضِ الحالات دُخول المنازل ، وأيضا لم تتضمن المادة أن يشمل قرارَ التفتيشِ ضِمن نُصوصِه على ذِكر الشىء المراد ضَبطه تحديدا . والمادة (47) تلك التى حفظت حرية الإعتقاد ، بينما حددت تيسير حرية ممارسة الشعائر وإقامَة دور العبادة على الأديان السماوية فقط .  والمادة (51) بشأن حرية الصحافة ، إلا أنها أضافت فى إطار المقومات الأساسية ... إلى أخر النص وهو ما أفرغ المادة من مضمون الحرية . والمادة (63) الخاصة بالتجنيد الإجبارى ، فَإنه يلزم تَحديد الهدف من التجديد بحيث لايكون فيما هو سوى تَعليم المُواطنين الدفاع عن الوطن . أما المادة (129) والخاصة بإعلان حالة الطوارئ ، فقد يبدو أن قَدَرَ مِصر أن تعيش طول حياتها فى حَالة طوارئ ، فى حين أن القانون العادى فيه الكفاية لإستقرارِ الأمن . وأيضاً المادة (40) التى أجازت أن يحبس المواطن فى  مكان وصفته بأنه مكان لائق إنسانياً وصحياً ، بينما كان يجب أن تنص ايضا على أنه يحبس فى الأماكن المعدة مسبقاً للحبس وهى السجون . وهو نص متعارف عليه فى الدساتير السابقة . أما ما ذهبت إليه المادة (34) فى جواز التأميم بقانون مقابل تعويض ، وهو إعتداء صارخ على حق المواطن ليس له مثيل فى الدساتير المصرية أو العالمية ، وكان دستور 2012 قد إستخدمه إعتداء على الحريات . وأيضاً تحدث الدستور عن أنواع الملكيات فى المواد من (28) حتى (31) ، إلا أن النص لم يساوى بين الملكيات ، حيث خص الملكية العامة بالحرمة بينما إستخدم كلمات أخرى أقل شأنا لباقى الملكيات ، وكان يجدر المساواة بينها بإعتبار أنّ أموالَ الناسِ حرامٌ كما عَلمنا الرسولُ الكريم . أما المادة (158) و (173) والتى نصت على إدراج ميزانيات الهيئات القضائية والقوات المسلحة رقماً واحداً فى ميزانيةِ الدولة دون تَفاصيل ، وتحديد جهات بعينها لمناقشةِ تلك الميزانيات ، هو أمر يتعارض مع المنطق وحق الشعب الذى أصلا صَاحبُ الأموال التى تصرف لِهذه الجهات ، فإذا كانت الدعوى بأن القوات المسلحه ميزانياتها تشمل أسرارا تخص التسليح ، فإن الرد على هذا بأن الدول جميعها تعلم على وجه التحديد ما لدينا من أسلحة ، وهى منشورة على المواقع المعلوماتية المختلفة ، فلماذا يُبْقَى الموضوع سراً على صاحب الشأن أو صاحب المال وهو الشعب . أما موضوع الهيئات القضائية فأننى لا أستطيع أن أعلم ماذا يريدون إخفائه عن الشعب فى هذه الميزانيات . أما المادة (174) والتى أجازت مُحاكمة المدنى أمام المحاكم العسكرية على سبيل الإستثناء فى الجرائم التى تُمثل إعتداءً مباشراً على الجيش ، وهو نص معيب لاوجود له فى الدساتير السابقة ولا مثيل له فى دساتير العالم المتحضر ، وأيضاً فإنه فى مصر فى ظل الرئاسات السابقة فإنه كان يتم محاكمة الجواسيس أمام المحاكم المدنية على الرغم من إرتباط الجاسوسية بالأسرار العسكرية ، ويعتبر النص إنتقاصاً من حريات المواطنين . أما المادة (189) والتى أفادت عدم جواز تعديل المواد المتعلقة بمبادئ الحرية والمساواة ثم إتبعها بجملة مالم يكن التعديل متعلقاً بمزيد من الضمانات ، وإذا كان هذا النص لازما فلتستبدل كلمة مزيد من الضمانات بكلمة مزيد من الحريات حتى يكون المعنى محدداً .
4-    إتجاه الدستور إلى إرضاء فئات مختلفة من المجتمع بأن يُحدِّدَ لهم نِسباً أو وظائف محددة هو أمر سيئ وثبت عدم جدواه للمجتمع ، ومثل ذلك فيما جاء بالمادة (36) والتى عَمَّمت إشتراك العمالِ فى إدارةِ وأرباحِ الشركات وهى مادة مَثَلُها كمثلِ نسبة ال 50% عمال وفلاحين فى المجالس النيابية ، فإن العضوية يجب أن تُبْنَى على كَفاءةِ صَاحِبِها فى إدارةِ العمل وليسَ على إنتمائِهِ لِفئةٍ معينة . فالعضوية أو المنصب لاتُعَدُ مُكافئة لفرد أو للدفاع عن فئةٍ معينة ، فإن هذا الأمر أولى به النِقابات أو المحاكم ، أما مجال العضوية فيجب أن يَكونَ مِعْيَارُهُ الكفاءة . وأيضاً ذهبت المادة (78) إلى التوجيهِ بِحفظِ وظيفةِ المُرشح للبرلمان فيما يشبه المكافئة للمرشح والنائب وهو مايخالف تكافئ الفرص المنصوصِ عليه فى الدستور ، وذلك بالإضافة إلى أن مَنْح القانون الحق فى بعض الإستثناءات لِقاعدةِ تفرغ عُضو البرلمان وهو ما أفرغ المادة من معناها ، وذلك بأن عَهِدَ إلى البرلمان - وهُو صَاحب حَقِّ إصدارِ القانون - فى أن يَستثنى أَعْضَاؤُهُ من بعض الأحكام ، وهو خطأ دستورى لا لزوم له . أما المادة (153) وقد حددت السِّن القانونى للترشح للمجالس المحلية بواحد وعشرون عاما فيما يبدو إرضاءً للشباب ، وهو سن حديث جداً لمنصبٍ فى غايةِ الأهمية لإدارة شُئون المحليات المَليئَةِ أصلا  بالمشاكل .
5-    كثرة الإستثناءات فى الدستور تعيبه وقد ورد ذكر بعضها فى النقاط السابقة إلا أنه من الأفضل أن تَتَحَدّدَ المواد المطلوبِ فيها إستثناءات وأن نرفعها من الدستور ونترك شأنها للقانون والهيئة التشريعية .
6-    رقابةُ السلطاتِ لبعضِها مُحددٌ فى الدستورِ بطريقةٍ صُورية . ولتفعيلِ الرقابة يَلزم نَقل تَبَعِيّةِ الأجهزةِ الرقابيةِ للبرلمان ، وأنْ يَكونَ للبرلمانِ تَدخلاً فى تَعيينِ مَناصِبِها ألعُليا ، وأنْ تُقَّدمَ تَقاريرِها للبرلمان وأنْ يُحيلَ البرلمانُ المخلفاتِ إلى السلطةِ التنفيذيةِ للردِّ عليها . ويعتبر من أهم الجهات الرقابية الجهاز المركزى للمحاسبات مادة (100) والبنك المركزى ومجلس حقوق الإنسان ومجلس حقوق المرأة . كما وأنه من أهم الأمور فى الدستور أن تعدل المادة (120) بحيث تنص على أنَّ تعديلات الدستور عُموماً فيما يَخُص السلطة التنفيذية - خاصةً مَا كانَ لَهُ صفة مالية - لا تسرى إلا بَعد أن يتسلم السلطةُ رئيساً جديداً . وأنَّ التعديلات التى تخص نفس الشأن لِأعضاءِ البرلمان لا تسرى إلا بعد الإنتخابات التالية حتى لايُسمح لِأحد بِأن يُشرِّعَ لِنَفْسِهِ . أما ما جاء بالمواد (116) و (138) فأنه يلزم النص أيضاً على أنه لا يُسمَحُ بِتَرشحِ من كان أَبْنَاؤُه أيضاً لهم جِنسياتٍ أخرى إلى جِانبِ الجنسيةِ المصرية ، وذلك إسوة بالأباء وهم أصلا أكثر خطراً ، كما تَجدر إزالة شروط أَعدادَ المؤيدينَ لِتَرشّح الرئيس ، فلم يثبت جدواها .
من خلالِ مُناقشاتِ لجنة التعديل تَبينَ لنا أن هناك أمرٌ شأنُهُ شأن الغائب الحاضر ، وهو موقف مجلس الشورى من إلغاؤه إلى زِيادةِ صلاحياته . وهذا فى الواقع أمرٌ فى غايةِ الأهمية . وقد يكون من المفيد أن نبين أنّ الدولَ المتقدمة جَميعُها تَتَبنى نِظام المجلسين التشريعيين ، ونذكر منها أمريكا ـ بريطانيا ـ فرنسا ـ ألمانيا ـ روسيا ـ أستراليا ـ إيطاليا ومعظم دول أوربا . وقد بينت أحداثُ ألأعوام السابقة فى مصر مدى الحاجة إلى وجودِ المجلسين فأنّهُ عند نَجاح الدكتور مرسى فى الإنتخابات الرئاسية ، وكان قد نجح بأغلبيةٍ متواضعة ، وقد بدأ فى الحكمِ بإصدارِ مجموعةٍ من القوانين لم يتمكن من تطبيقها لإعتراضِ المثقفينَ عليها ، على الرغم من أنّهم أقلية . ثم ذهب إلى إقرارِ دستورٍ فى أيامٍ معدودة ، وأيضا لم يُوافق عليهِ المُثقفون ، ولجأ الرئيسُ إلى الشعبِ للإستفتاء فأتت النتيجة نجاح الدستور بإكتساحٍ بما يقرب من 65% ، وتولى المُثقفونَ من جديد معارضة الدستور فلم يتمكن الرئيس من الإستفادة من دستوره ، حتى وصلت البلاد إلى حَالةٍ مِنَ الجُمود أو التوقف . من هذا يتضح أنّ قُوة الأقلية المُثقفة فى الوطن تُعادل أو تَعلو على الأغلبِيةِ الإنتخابية . من هنا لَزِمَ جمعُ المُثقفينَ فى مَجلسٍ حتى لا تُعَجَّزَ الدولةُ أو تصل إلى حالةٍ من الجمود . وقد توصلت الدُوَلُ إلى هذه النتيجة منذ زمن بَعيد ولم يَتبنّى نظرية المجلس الواحد سِوى الدول السُلطوية ، فقد كانت جميعُ الدول الشيوعية تتبنى نظام المجلس الواحد وما لَبِثَتْ الدول التى إنفرطت مِنَ الشيوعية ، وأولُها روسيا إلى إقرار مبدأ المجلسين . وإن هذا الإختيار يفيد فى إعلاءِ الرقابة فى الدولة ، وخلق توازنٍ أكبر بين السلطات خاصة مع إختلاف نوعية وثقافة الأعضاء من مجلس النواب إلى مجلسِ الشورى . وقد يفيد الوطن أيضاً أن يُؤسِسَ الدستورُ لمجلسٍ ثالث للشباب دون سلطاتٍ تشريعيةٍ ، وهو قد يفيد فى تعليمِ الشباب لِأُسس الحياة الديمقراطيةِ والنيابيةِ من خلال دراسة النصوص التشريعية التى يصدرها البرلمان . إلا أنّه قَد يَكون من المفيد أن يُنصَّ على ضَرورةِ موافقة مجلس الشباب على القوانين التى تُرَتِّب دُيوناً على ميزانية الدولة ، حيث أن الشباب هم الذين سَيقومونَ بِسدادها مُستقبلاً .
7-    يلزم رفع جميع المواد الإنشائية التى ليس لها أحكام محددة من الدستور وتركها للهيئة التشريعية كما يلزم رفع بعض المواد المكررة المعنى مثل المادة (68) و (39) وأيضاً إزالة أى تعارض بين المادة (190)والمادة (179) فى شأن السنوات العشر . كما يلزم مراجعة المادة (99) وهى مادة أساسية فى الدستور وهى خاصة بإقرار مجلس النواب لميزانية الدولة ، حيث يجب أن تبين المادة أن الشعب هو صاحب الميزانية ويملثه فى هذا مجلس النواب الذى له الحق فى إقرار أو تعديل أو زيادة إعتماد أو سحب إعتماد معين أثناء السنة المالية ، كما يجب مراجعة التلميح فى الفقرة الثالثة عن إعادة التوازن بين المصروفات والإيرادات بحيث يكون واضحاً من المادة أن الميزانية يجب ألا تشمل عجزا ، أو أن يسمح بإعتماد ميزانية بها بعض العجز . وقد يكون الحل الأخير هو الأفضل فهو المبدأ الذى تأخذ به معظم الدول . كما يجب مراجعة المادة (121) التى أطْلقت حُريةَ الرئيس فى إختيار رئيس الوزارة دون أن تحدد إنتمائه الحزبى فى الفقرة الأولى منها ، ثم فى الفقرة الثانية كلفته بإختيار رئيس وزراء من حزب الأغلبية إذا لم يحوز الأول على ثقة البرلمان . أما المادة (135) فإن مدة المائة وعشرون يوماً لإختيار رئيس جديد حال عجز الرئيس هى مدةٌ طويلة ، وكانَ دستور 2012 قد حددها فى تِسعون يَوماً وهى أيضاً مُدةٌ طويلة ، وكان دستور 1971 قد حَددها فى سِتُّون يوماً وهى مدةٌ مناسبة . ولا يجب أن ننسى أنه عند إغتيال الرئيس السادات فى السادس من أكتوبر وتولى الرئاسة الدكتور صوفى أبو طالب لفترة إنتقالية ، فإن الرئيس حسنى مبارك تسلم السلطة بعد الإنتخاب والإستفتاءِ فى الرابع والعشرين من أكتوبر أى بعد أقل من عشرون يوماً .
8-    يلزم مراجعة الفكر فى شأن السلطات القضائية العديدة التى تحدث عنها الدستور ، وإن كان يستحسن رفع هَيئة قَضايا الدولة من الدستور فإن المحاماه لا تَدَخُّلَ لها فى السلطة القضائية ، ثم أنه يجب بحث ضم السلطات القضائية فى عباءةٍ واحدة حتى يستقر مبدأ تنفيذُ أحكام القضاء بعيداً عن التدخلاتِ السياسيةِ فى هذه السلطة ، ومن هنا يجب مراجعة المادة (188) والتى أعطت مُهلة من خمسة عشر يوماً لِنشر القوانين بِالجريدةِ الرسمية ، وبدأ تَطبيقِها بعد ثلاثين يوماً من نَشرِها ، وهو أمرٌ غير مفهومٍ الهدف منه دستوريا . كما يلزم تعديل المادة (166) بشأن أحكام المحكمة الدستورية فيما ذهبت إليه المادة من أن القانون ينظم مايترتب على الحكم بعدم دستورية نص من آثار ، وهو ما يعد تدخلا من جانب السلطة التشريعية فى السلطة القضائية ، وهو ما رفضه الشعب حين أقره الدكتور مرسى فى دستوره وقراراته ، وليس من المنطقى تكرار الخطأ .
يَتبقى لى تَعقيب واحد على الوثيقة التى أناقشها وهى المادة (50) تلك التى أَعْلَتْ حَق المواطنين فى الحصول على المعلوماتِ والبياناتِ والوثائقِ ، وقررت حق الإفصاح . وبِذا إكتَسَبَتْ المادة المكانةَ المرموقة من الدستورِ كأفضل ما أضيف إلى الدساتير المصرية كلها وهو ما تستحق اللجنة التقريظ عليه .