كلمةٌ
أخيرةٌ فى قانونِ العمل
بعدَ أنْ يأسنَا - عبرَ ما يربو على
خمسينَ عامًا من المحاولاتِ - من أنْ نحصلَ على قانونٍ متطورٍ مواكبٍ للعصرِ الذى
نعيشه بعدَ انحسارِ الفكرِ الشيوعىِّ منَ العالمِ - حتى فى أعتى الدولِ التى تبنتهُ
- حيثُ تبنتْ فكرًا بديلًا يفصلُ بين الاقتصادِ والسياسةِ ؛ أفلا نستحقُ قانونًا
ينهض إلى تشجيعِ الاستثمارِ فى الصناعةِ بعدَ ما عاصرناهُ من عَنَتِ الصُنَّاعِ -
على الرغمِ من أهميتهم للوطن - فإنَّ ما يوازنُ العُملَةَ الوطنيةَ فى مقابلِ نَظيراتِها
هو حصيلةُ إنتاجِ الصناعةِ والخدماتِ والتجارةِ - وقد لا يتحمل المواطنُ خفضًا
آخرًا للعملة - فاذا علمنا أنَّ تقدمَ الإنتاج الصناعى والخدمىِّ والتجارىِّ إنما
يعتمدُ - فيما يعتمدُ عليه - على كفاءةِ العامل وقدرِ الجديةِ التى يوفرها قانون
العملِ فى علاقةِ الأطرافِ المخاطبةِ بالقانون ؛ فإن هو أطلقَ حرياتٍ أو قيدَها
أكثرَ من اللازمِ لأحد أطرافِ العلاقة فسدت النتيجة .
ولا يَخشَيَنَّ أحدُكم ، فقليلٌ من الجديةِ يصلحُ من أحوالِ أبنائِنا فيسعدوا بنتائجِ أعمالِهم .
إنَّ إصدارَ قانونٍ هو عملٌ سياسىٌّ
بالدرجةِ الأُولى . والسياسيونَ هم أصحابُ رُؤى لنقلِ المجتمعِ المخاطبَ بالقانونِ
من مكانهِ الحالىِّ إلى مكانٍ أفضل ، لذا فإنه يلزمُ أنْ نضعَ الهدفُ من إصدارِ
القانونِ فى الصدارةِ وأنْ يكونَ الهدفُ ملئَ أعينِنا أثناءَ صياغةِ القانونِ
وأثناءَ مناقشتِهِ فى مراحلِ إقراره .
وفى موضوعِ قانونِ العملِ فإنَّ المخاطبَ بالقانونِ هم العمالُ وأصحابُ
الأعمال ؛ لذا فإنه يلزمُ مراقبةُ كلِّ مادةٍ من موادِّ القانونِ من حيثُ تساوى
حقوقِ الأطراف ، فإنَّ تغليبَ طرفٍ على آخرٍ فى الحقوقِ دائمًا ما يأتى بنتائجَ
عكسية مثل ما عانيناهُ على مرِّ السواتِ السابقة ، ولا يفيدُ فى ذلك أنْ نتمسكَ
بالشعاراتِ التى قد تتعاطفُ معها جماهيرُ العمالِ أو الأغلبيةِ التى تحاولُ التودُّد
لهم ، إلا أنها فى النهايةِ لا تُحقق الفائدةَ المرجوةَ لطرفى العلاقةِ أو للوطن ،
فطالما تحدثنا عن مكاسبَ العمالِ فى صياغةِ القوانين السابقة ، إلّا أنَّهُ عبرَ خمسسينَ
عامًا من الصياغاتِ العديدةِ لقانونِ العملِ ، فإن مستوى العاملُ المصرىُّ آخذٌ فى
التراجعِ - على عكسِ ما يحدث فى الدولِ المتقدمةِ - وذلك كنتيجةٍ مباشرةٍ لعدمِ تكافئِ
المراكزِ القانونيةِ للأطرافِ .
فإذا كانَ الهدفُ من القانونِ هو التشجيعُ على الاستثمار ، فإنَّ القانونَ
بوضعِهِ الحالىِّ لا ينهض إلى هذا الهدفِ السامى ، لذا فإنهُ قد يجدرُ بنا أنْ نُلاحظَ
الآتى فى القانونِ المقترح :
- ساعاتُ
العملِ ( فى الفصلِ الثالثِ ) قليلةً ويتخلَّلُها فتراتِ راحة وهو ما لا تتحملهُ
الدولُ النامية .
- العلاقةُ
بين صاحبِ العملِ والعاملِ غيرُ متكافئة ، إذ يجبُ أنْ يشملَ القانونُ على مادةٍ
تسمحُ بإنهاءِ علاقةِ العملِ بدونِ إثباتِ خطأِ أحد الأطراف ، فإنهُ فى ظلِ
القانون المطروحِ فإنَّ للعاملِ أنْ يتخلى عن العمل ، بينما طريق فصلِ العاملِ
طويلٌ وصعبُ الإثباتِ فلا يمكنُ لصاحبِ العملِ أن يتخلى عن العامل ؛ ولا يجدى فى
هذهِ الحالةِ أنْ يفرضَ القانونُ تعويضاتٍ لصاحبِ العملِ ، فطريقُ التعويضِ صعبٌ وتحصيلُ
المبلغِ يعتمدُ على الملائةِ الماليةِ للعامل .
- الحدُّ
الأقصى للخصمِ خمسة أيامٍ فى الشهرِ ، وهو لا يسهمُ فى إصلاحِ علاقةِ العملِ بين
الطرفين فضلا عن إصلاحِ سلوكِ العاملِ نفسه حتى يفيد نفسه بالجدية فى عمله .
- المادةُ
65 فرضت رسمًا ماليًا يقع بين خمسةِ آلافٍ وخمسينَ ألفًا من الجنيهات للإستعانةِ بتشغيلِ أجنبِىِّ ، وهى مادةٌ مانعةٌ لاستخدامِ
الخبراتِ الأجنبيةِ اللازمةِ لتدريبِ العمالةِ بالموقع فى ظلِّ ضعفِ التعليمِ الفنىِّ
بالوطن .
- الغيابُ
المُوجبُ للفصلِ هو ثلاثونَ يومًا للسنةِ الواحدةِ - فى ظلِّ وجودِ ما يقربُ من مائةِ
يومٍ أجازاتٍ مدفوعةِ الأجرِ فى السنة - هو وضعٌ لا يعدُّ مناسبًا لكل الأطرافِ فى
وطنٍ لا يُمكنهُ دفعَ ثمنِ هذه الرفاهية .
- المادة
206 إلى 209 لم تحددْ مسارًا لصاحبِ العملِ فى حالةِ رفضِ طلبهِ للاغلاقِ أو تخفيضِ
العمالةِ ، كما لم تحددْ سبلَ إلزامهِ بالاستمرارِ فى العمل عند رفض اللجنة لطلبه .
وهى عمومًا موادٌ غيرُ مشجعةٍ للاستثماراتِ الأجنبيةِ فضلا عن المحلية .
فهل لنا أن نأملَ فى قانونٍ يساوى بين أو يوازن حقوق طرفى العقد لمصلحةِ
جميعِ الأطرافِ ولمصلحةِ مصر .