عن إصلاح القطاع العام
نشرت الأهرام
مقالًا للدكتورة / سلوى العنترى فى 12 يونيو 2016 أوجزه للقارئ قبل أن استرسل فى موضوعِهِ ، حيث
قالت عن الاتفاقية المبرمة بين مصر والبنك الدولى فى نوفمبر 2015 بأن القطاع العام فشل فى الوفاءِ
بخلقِ وظائفَ كريمةٍ وفى تقديمِ خدماتٍ عامةٍ جديرةٍ بالمواطنينَ . ثم استرسلت
بالتعليقِ على تَوجهِ البنك المركزىِّ لطرحِ 20% من بنكينِ ثم زيادةُ رأسِ مالِهما
، وبالتعليق على توجهِ وزيرةِ الاستثمارِ إلى خطةٍ لبيع حصصٍ من الشركاتِ قيمتها
90 مليار جنيه من خلال طرحها فى البورصة ، ودراسةُ البنكِ المركزىِّ طرحَ حصتهِ فى
أحدِ مشروعاتِهِ لمستثمرٍ استراتيجىٍ ، واسترسلت على استهدافِ الحكومةِ أنْ تكون
البورصةِ المصريةِ على قمةِ بورصاتِ المنطقةِ ، وعَلّقَت على تمسك وزيرِ قطاعِ
الأعمالِ بأنهُ لا توجد أى نيه لبيع أو تصفيةِ المشروعاتِ العامة خاصةً الشركات
الرابحة .
والمقال فى حد ذاتِه لم يضف إلى معلومات القارئ - حيث أنها معلومات متداولة
منذ سنواتٍ عديدة - إلى أن وصلت إلى نهايتهِ التى أظهرت عدم موافقتها على تلك الترتيبات
السابق ذكرها .
فى الواقع أنَّ شركات القطاع العام أصبحت غيرَ قادرةٍ على الوفاءِ بالتزاماتها
سواءً لعملائِها أو للبنوكِ أو للعمال ، فأحوالُها الماليةِ مترديةٌ للغاية .
ويجبُ أنْ نعلم أنْ لا صلاح للاقتصادِ المصرىِّ بدون إصلاحٍ للقطاعِ العام
، فإنَّ النمو الحقيقىَّ للاقتصادِ ينتجُ عن أرباحِ الشركاتِ عامةٍ كانت أم خاصة .
ولما كان المقال قد يبينَ أن القطاع العام يُسهم بما لا يقل عن 34% من
الناتج المحلىِّ - وإن كُنتُ أظنُهُ أصبحَ الآنَ يتجاوزُ هذا الرقم - ليس فضلًا منَ
القطاعِ العام بل انتكاسًا لدور القطاع الخاص - فإنَّ من المهمِّ أنْ نحدِّدَ
أسبابَ انتكاسِ القطاعينِ العامِّ والخاص . فأما القطاع الخاص فأسبابهُ المعروفة
أهمها ضعف قوانين الاستثمار الحالية عن النهوض إلى مستوى جذب الاستثمارات الداخلية
والخارجية ، وارتفاع سعر الفائدة ، والبيروقراطية المسيطرة على الأجهزة الحكومية .
أما القطاع العام فقد تحدثَ الكثيرون عن تلك الأسباب التى منها قِدمُ المعداتِ ،
ضعفُ التمويلِ ، قلةُ الخبرةِ الفنيةِ ، ضعفُ مستوى العاملِ مهنيًا ، وكلُّ ذلكَ يُظلهُ
مظلةُ الفساد .
وقد يلزمُ لتحليلِ كلِّ سببٍ منها مقالًا - بل كتابًا لحالهِ - ألا أنَّ كل
ذلك يندرجُ تحت بندٍ واحدٍ هو : إدارةٌ لا قِبلَ لها على إدارة الشركة ، إدارةُ
عديمةُ الرؤيةِ ، قليلةُ الفكرِ ، سلبيةُ الحيلةِ .
فإذا خلصنا إلى ذلك فإنَّ خصخصةَ الشركةِ أو طرحَ أسهُمِها فى البورصةِ لن
يُجدِ قبلَ تغيير الإدارة .
ومنِ الجديرِ بالذكرِ أنَّهُ عندَ تأميمِ هذهِ الشركاتِ فى بدايةِ
الستينياتِ منَ القرنِ الماضى فإنَّ الإداراتِ التى سبقت التأميمَ استمرت بَعدهُ فى
مُعظمِها وأنَّ تلكَ الشركاتِ استمرت فى تحقيق ربحٍ أخذَ فى الانحسارِ مع تغييرِ
إدارةٍ تِلوَ الأُخرى حتى وصلنا إلى الوضعِ الحالىِّ.
ولكن كيفَ نختارُ إدارةٍ رشيدةٍ تحقِّقُ الأرباحَ المرجوةَ ؟ الثابتُ من
خلالِ التجربةِ أنَّ قيامَ الحكومةِ بتعيينِ الإدارةِ لم يُؤتِ بالخيرِ المرجوِّ ،
فإذًا ما هوَ السبيلُ ؟
لا يتبقى أمامنا سوى طريق واحد هو طرحُ نسبةٍ من أسهمِ كلِّ شركةٍ تدريجيًا
وبقدرٍ مناسبٍ على شاشاتِ البورصةِ ، وأنْ تنسحبَ الحكومةُ من تعيينِ الإدارةِ وأنْ
تتركَ ذلكَ للجمعياتِ العموميةِ للشركاتِ مع احتفاظِ الحكومةِ بحقِّ الاعتراضِ على
مجلسِ الإدارةِ أو عضوٍ منهُ أو قرارٍ اتخذهُ المجلسُ وأن يستمرَّ ذلكَ طالمَا كانَ
للحكومةِ أغلبيةُ الأسهمِ .
وفى هذه الحالةِ فإنَّ تلك الإداراتِ ستقومُ بنفسِها - باعتبارها مالكًا
للشركةِ - بتدريبِ العمالةِ وتدبيرِ التمويلِ لتجديدِ المعداتِ وتنشيطِ المبيعاتِ
من خلالِ تحسينِ الجودةِ وصولًا إلى التصدير . وفى هذه الحالةِ تربحُ الحكومةُ ربحًا
مضاعفًا أضعافًا كثيرةٍ من ناتجِ عوائدِ أسهُمها أولا ، ثم من ناتجِ ضرائبِ أعمالِ
الشركاتِ ، والأهمُّ من ذلكَ كله هو خلقُ الوظائفِ الجديدةِ التى يتمناها شبابُ
هذا الوطن .
ومن البديهي أن طرح مجموعة من الأسهم على شاشات البورصة لا يجب أن يتم قبل
إجراء تقييم للقيمة الحالية لكل شركة، ولا يجب أن نخشى من جراء التقييم المرتفع أو
المنخفض لقيمة أسهم الشركة طالما أن البيع لن يتم على صفقة واحدة فتتم في الحجرات
المغلقة فإن شاشة البورصة ستتولى تعديل السعر بمجرد طرحها ارتفاعاً أو انخفاضاً
بصفة يومية.