Saturday, October 7, 2017

كلمةٌ أخيرةٌ فى قانونِ العمل

كلمةٌ أخيرةٌ فى قانونِ العمل
        بعدَ أنْ يأسنَا - عبرَ ما يربو على خمسينَ عامًا من المحاولاتِ - من أنْ نحصلَ على قانونٍ متطورٍ مواكبٍ للعصرِ الذى نعيشه بعدَ انحسارِ الفكرِ الشيوعىِّ منَ العالمِ - حتى فى أعتى الدولِ التى تبنتهُ - حيثُ تبنتْ فكرًا بديلًا يفصلُ بين الاقتصادِ والسياسةِ ؛ أفلا نستحقُ قانونًا ينهض إلى تشجيعِ الاستثمارِ فى الصناعةِ بعدَ ما عاصرناهُ من عَنَتِ الصُنَّاعِ - على الرغمِ من أهميتهم للوطن - فإنَّ ما يوازنُ العُملَةَ الوطنيةَ فى مقابلِ نَظيراتِها هو حصيلةُ إنتاجِ الصناعةِ والخدماتِ والتجارةِ - وقد لا يتحمل المواطنُ خفضًا آخرًا للعملة - فاذا علمنا أنَّ تقدمَ الإنتاج الصناعى والخدمىِّ والتجارىِّ إنما يعتمدُ - فيما يعتمدُ عليه - على كفاءةِ العامل وقدرِ الجديةِ التى يوفرها قانون العملِ فى علاقةِ الأطرافِ المخاطبةِ بالقانون ؛ فإن هو أطلقَ حرياتٍ أو قيدَها أكثرَ من اللازمِ لأحد أطرافِ العلاقة فسدت النتيجة . ولا يَخشَيَنَّ أحدُكم ، فقليلٌ من الجديةِ يصلحُ  من أحوالِ أبنائِنا فيسعدوا بنتائجِ أعمالِهم .
        إنَّ إصدارَ قانونٍ هو عملٌ سياسىٌّ بالدرجةِ الأُولى . والسياسيونَ هم أصحابُ رُؤى لنقلِ المجتمعِ المخاطبَ بالقانونِ من مكانهِ الحالىِّ إلى مكانٍ أفضل ، لذا فإنه يلزمُ أنْ نضعَ الهدفُ من إصدارِ القانونِ فى الصدارةِ وأنْ يكونَ الهدفُ ملئَ أعينِنا أثناءَ صياغةِ القانونِ وأثناءَ مناقشتِهِ فى مراحلِ إقراره .
وفى موضوعِ قانونِ العملِ فإنَّ المخاطبَ بالقانونِ هم العمالُ وأصحابُ الأعمال ؛ لذا فإنه يلزمُ مراقبةُ كلِّ مادةٍ من موادِّ القانونِ من حيثُ تساوى حقوقِ الأطراف ، فإنَّ تغليبَ طرفٍ على آخرٍ فى الحقوقِ دائمًا ما يأتى بنتائجَ عكسية مثل ما عانيناهُ على مرِّ السواتِ السابقة ، ولا يفيدُ فى ذلك أنْ نتمسكَ بالشعاراتِ التى قد تتعاطفُ معها جماهيرُ العمالِ أو الأغلبيةِ التى تحاولُ التودُّد لهم ، إلا أنها فى النهايةِ لا تُحقق الفائدةَ المرجوةَ لطرفى العلاقةِ أو للوطن ، فطالما تحدثنا عن مكاسبَ العمالِ فى صياغةِ القوانين السابقة ، إلّا أنَّهُ عبرَ خمسسينَ عامًا من الصياغاتِ العديدةِ لقانونِ العملِ ، فإن مستوى العاملُ المصرىُّ آخذٌ فى التراجعِ - على عكسِ ما يحدث فى الدولِ المتقدمةِ - وذلك كنتيجةٍ مباشرةٍ لعدمِ تكافئِ المراكزِ القانونيةِ للأطرافِ .
فإذا كانَ الهدفُ من القانونِ هو التشجيعُ على الاستثمار ، فإنَّ القانونَ بوضعِهِ الحالىِّ لا ينهض إلى هذا الهدفِ السامى ، لذا فإنهُ قد يجدرُ بنا أنْ نُلاحظَ الآتى فى القانونِ المقترح :
-       ساعاتُ العملِ ( فى الفصلِ الثالثِ ) قليلةً ويتخلَّلُها فتراتِ راحة وهو ما لا تتحملهُ الدولُ النامية .
-       العلاقةُ بين صاحبِ العملِ والعاملِ غيرُ متكافئة ، إذ يجبُ أنْ يشملَ القانونُ على مادةٍ تسمحُ بإنهاءِ علاقةِ العملِ بدونِ إثباتِ خطأِ أحد الأطراف ، فإنهُ فى ظلِ القانون المطروحِ فإنَّ للعاملِ أنْ يتخلى عن العمل ، بينما طريق فصلِ العاملِ طويلٌ وصعبُ الإثباتِ فلا يمكنُ لصاحبِ العملِ أن يتخلى عن العامل ؛ ولا يجدى فى هذهِ الحالةِ أنْ يفرضَ القانونُ تعويضاتٍ لصاحبِ العملِ ، فطريقُ التعويضِ صعبٌ وتحصيلُ المبلغِ يعتمدُ على الملائةِ الماليةِ للعامل .
-       الحدُّ الأقصى للخصمِ خمسة أيامٍ فى الشهرِ ، وهو لا يسهمُ فى إصلاحِ علاقةِ العملِ بين الطرفين فضلا عن إصلاحِ سلوكِ العاملِ نفسه حتى يفيد نفسه بالجدية فى عمله .
-       المادةُ 65 فرضت رسمًا ماليًا يقع بين خمسةِ آلافٍ وخمسينَ ألفًا من الجنيهات للإستعانةِ  بتشغيلِ أجنبِىِّ ، وهى مادةٌ مانعةٌ لاستخدامِ الخبراتِ الأجنبيةِ اللازمةِ لتدريبِ العمالةِ بالموقع فى ظلِّ ضعفِ التعليمِ الفنىِّ بالوطن .
-       الغيابُ المُوجبُ للفصلِ هو ثلاثونَ يومًا للسنةِ الواحدةِ - فى ظلِّ وجودِ ما يقربُ من مائةِ يومٍ أجازاتٍ مدفوعةِ الأجرِ فى السنة - هو وضعٌ لا يعدُّ مناسبًا لكل الأطرافِ فى وطنٍ لا يُمكنهُ دفعَ ثمنِ هذه الرفاهية .
-       المادة 206 إلى 209 لم تحددْ مسارًا لصاحبِ العملِ فى حالةِ رفضِ طلبهِ للاغلاقِ أو تخفيضِ العمالةِ ، كما لم تحددْ سبلَ إلزامهِ بالاستمرارِ فى العمل عند رفض اللجنة لطلبه . وهى عمومًا موادٌ غيرُ مشجعةٍ للاستثماراتِ الأجنبيةِ فضلا عن المحلية .
فهل لنا أن نأملَ فى قانونٍ يساوى بين أو يوازن حقوق طرفى العقد لمصلحةِ جميعِ الأطرافِ ولمصلحةِ مصر .  

Wednesday, January 25, 2017

انتخاباتُ المجالسِ المحلية

انتخاباتُ المجالسِ المحلية
طالعتنا الأهرامُ فى عددِ الأربعاء الماضى أنَّ لجنةَ الإدارةِ المحليةِ بمجلسِ النوابِ أقرتْ نِظامَ الانتخابِ الذى ستجرى عليهِ الانتخابات القادمة للمجالسِ المحليةِ حيثُ حددتْ أنَّهُ سيكون بنظامِ القائمةِ المغلقةِ المطلقةِ لنسبةِ 75% من المقاعدِ والنظامِ الفردىِّ لنسبةِ 25% من المقاعد ، وقررتْ أنْ يخصصَ ثُلث عدد مقاعد القائمةِ للشبابِ وثلث للمرأة ، على ألا تقل نسبةُ تمثيلِ العمالِ والفلاحينَ عن ثُلثى عددِ مقاعدِ القائمة .
وقد يكونُ منَ المفيدِ أنْ أبينَ للقارئِ أنَّ القائمةَ المغلقة المطلقة تعنى أنْ يتقدمَ كلُّ حزبٍ أو كتلةِ أو تيارٍ بقائمةٍ بأسماءِ مرشحيه ، وتنجحُ القائمةُ بكامِلها التى تحصل على 50% + 1 من الأصواتِ ولا تُمثَّل باقى الأحزاب بالمجلس ، وهو نظامٌ لا يسمح بتباينِ الأفكارِ حتى تتحقق مصلحة المواطن .
        وتجدرُ الإشارة إلى أننا تَخلصنا حديثًا من شرطِ تحديد نسبٍ لتمثيلِ العمالِ والفلاحينَ فى مجلسِ النوابِ التى كانت 50% ؛ إلا أنَّ القانون الذى تمت موافقة اللجنة عليه نص على ألا تقل نسبة تمثيل العمال والفلاحين عن ثلثى عدد المقاعد . وإذا أعملنا الحسابَ للنسبِ الجديدةِ فسنجدُ أنَّ المجلسَ سيتكون من 67% عمال وفلاحين منهم 22% مرأة و 22 % شباب .
عمال وفلاحين                         اجمالى النسبة         67%  منها :
        نِساء            أكثر من  22%
        شباب           أكثر من  22%
        بُلَّغ              أقل من   22%
فــــئات                                  اجمالى النسبة         33%  منها :
        نِساء            أكثر من  11%
        شباب           أكثر من  11%
        بُلَّغ              أقل من   11%
        فهل لنا أنْ نأملَ فى أنْ تُكوَّنَ لمجالس بمثلِ هذا التشكيل أنْ تضم أعضاء على درجةٍ من العلمِ والخبرةِ العمليةِ والإداريةِ والقانونيةِ بما يلزمُ لإدارةِ المحافظات ؟ إنَّ للمحافظاتِ أهميةٌ عظمى حيثُ يَبدأ شعورُ المواطنِ بالتقدُّمِ فى شئونِ حياتِهِ من نتائجِ عَملِ المحافظاتِ مِنَ الطرقِ الجيدةِ والمرورِ المنظمِ وخدماتِ المياهِ والصرفِ الصحىِّ والكهرباءِ ومستوى أداءِ المواصلاتِ العامَّةِ .
وعلى الرغمِ منْ أنَّ المواطن عانى منذُ قيامِ الثورةِ شظفَ العيشِ منْ بطالةٍ وارتفاعٍ فى الأسعارِ وعجزٍ فى الخدماتِ الصحيةِ والدواء وتَحمَّلَ ذلك بشجاعةٍ نادرةٍ ؛ إلا أنه يمكن أنْ نُشعِرَ المواطنُ من خلالِ أعمالِ المحلياتِ بتحسنٍ فى حياتهِ ، وقد ثبت ذلك منْ أعمالِ بعضِ المحافظينَ المجتهدينَ – الذينَ بجهودٍ فرديةٍ - أتَوْ بأعمالٍ أفادت المواطنين.
        إنَّ الظنَّ بأنَّ المُحافظَ سيقومُ بمفردِهِ بتطويرِ حياةِ المواطنِ ، فإنَّه ظنٌّ فى غيرِ محلِّهِ وثَبُتَ عَكسُهُ من خلالِ أعمالِ مُعظمِ المحافظينَ فى الفترةِ الأخيرةِ .
        ولكن إذا تصورنا أنَ المجالسَ المحليةَ ستعاونُ فى تَحسينِ حياةِ المواطنِ فإنه يجبُ أن تُسلحَ تلكَ المجالسِ بالأعضاءِ المُتعلمينَ ومن ذوى الخبراتِ العمليةِ والإداريةِ والقانونية حتى يمكن  لها أنْ تُراقبَ أعمالَ المحافظِ وأنْ تُفيدَهُ بتلامُسِها مع المواطنينَ بالشارعِ فترشِّدَ اختياراته بما يعودُ على المواطنينَ بالنفع .
        وإذا تعمقنا فى أمورِ المحلياتِ ، فإننا سنجدُ أنَّ المادة 179 من الدستورِ المصرىِّ أشارتْ بأنَّ اختيارَ المحافظينَ يكونُ تعيينًا أو انتخابًا ، فهل لنا أنْ نجرِّبَ الأخيرة ؛ فإنَّ مُعظمَ أسبابِ تقدمِ الولاياتِ المتحدةِ جاءَ نتيجةَ جملةٍ واحدةٍ فى دستورِها قالت " أنَّ جميعَ سلطاتِ الدولةِ مفوضةٌ للولايات - All Powers are delegated to the states " .
        وإذا تعمقنا أكثرَ فإننا سنجدُ أنَّ المادة 178 من دستورِنا قد حَددتْ " أنَّ للمحافظاتِ موازناتٍ مُستقلةٍ ويدخلُ فى موارِدِها الضرائبَ والرسومِ ذاتِ الطابعِ المحلىِّ " ؛ فهل لنا فى هذهِ الحالةِ أنْ نمنحَ لِوكالاتِ الوزاراتِ فى المحافظاتِ سلطةً أكبرَ فى تَنميةِ موارِدِها تحتَ قيادةِ المحافظينَ والمجالسِ المحليةِ الرشيدةِ حتى تَنمو خدماتُ المواطنين بالمحافظات ، وفى هذهِ الحالةِ يظهرُ الصالحُ من الطالحِ فترتفعَ المنافسةُ بينَ المحافظاتِ بتحسينِ الحياةِ اليوميةِ للمواطنين .