Saturday, December 28, 2013

نَظرةٌ الي مَنْ بَدَا لِلسُّلطَةِ وأُخْرَي مُشَيِّعةٌ لِمَنْ عَبَرْ


نَظرةٌ الي مَنْ بَدَا لِلسُّلطَةِ وأُخْرَي مُشَيِّعةٌ لِمَنْ عَبَرْ
        في مثلٍ شَعبيٍ قَديم جَاء ما يُفيدُ أنّ الإنسانَ لا يَعلمُ قَدْرَ والدَتَهُ حتّي يُعَاشِر زَوجَةَ أبيهِ ؛ وهو من الأمثال التي يَبدو أنّ الشعبَ المِّصري يَحتَذِيَ بِه في حَياته عَلى سَبيلِ تَجربَة الجَديدِ بِلا دِراسةٍ كَافية ، أو يَبْدو أنّ المَثَل جَاءَ لِيصِفَ لَنا حَالُ جَماهِيرِ الشّعب في مُواجَهة إختياراتِ حَياتِهم .
          فَقد قَام الشّعبُ عَلى الرئيس حُسني مُبارك فَلمْ يَقْعُد إلا بَعد أن أزالَهُ أو أُزيلَ مِنَ الحُكم . وَبَدأ يَسري في الشّارعِ شِعارُ " الجيش والشعب أيد واحدة " ؛ ولكن مَا لَبِثَ الشِّعارُ أنْ فَقَدَ بَريقَه إلي أنْ إسْتُبْدِلَ بِشِعارِ " يَسْقُط حُكُم العَسْكَر " ؛ حتي إنْتَخَبَ الشّعبُ رَئيسًا جديدًا وبَدَأَ الرّئيس مرسي فِي تَنَاوُلِ السُلطة بِإعتداءٍ تِلوَ الأخر ، حتّي تَذَكَّرَ الشّعبُ المَثَلَ القديم ، فإنقَلَبَ الشعبُ إلي الشعار القديم " أرحل " إلي أنْ أزيحَ عَن الحُكم .
          وبَدَأَ التّرْحيبُ مِنْ جَديد ، ولكن بِشِعارٍ مُطورٍ وهُو " الجيش والشرطة والشعب أيد واحدة " ، وما لَبِثَ الشِّعارُ في التراجُعِ قليلًا بِفَقْدِ بَعض مُؤيديهِ ، وبَدَأَتْ تَعلو أصواتٌ خافتة مِن جَديد . ومرةً أخري وعَمّا قَريبٌ تَجِدُ ألأمّة نَفسها تَتّجِهُ لإنْتخابِ رَئيسٍ جَديد ، غالبًا زَوجَةُ أبٍ جديدٍ لمِصر ، المُفترضْ أنها لنا بِمثابةِ الأم .
          الدّيمقراطِية مَطلبٌ شَعبي، بَل مَطلبُ الشّعوبِ جَميعُها ، ولكن الدّيمقراطية ، كَأيِ مَوضوعٍ آخر ، يَلزَمُها تَدريبٌ وإعداد حَتّي يَنزلَ الشَّعبُ إلي المَلعَب وهُو جَاهِز .
          وحتى تأتي الدِّيمقراطيةُ بِمُبْتَغَي الشّعب ، فَإنّها يَجب أنْ تَرتَبِطَ بِحسنِ الإختيارِ مِن بَين المُرشَّحين . وأنا لا أري أي سَبب يَقبلَهُ العقل وَراءَ إختيارِ الشعب لِمرسي رئيسًا ، فَإنهُ إذا تَحدّثَ تَجِدهُ ضَحْلَ الثقافة ، كَلماتُهُ لا تُوَصِّل سَامِعِها إلي نُقطةٍ مُحددة ، فأغْلَبُهُم يُحِّس أنّه حَديثٌ إجتماعيٌ لا رِسالةَ مِنْ ورائِهِ ، بِرنامِجُهُ لإصلاحِ الوطن عِبَارة عَن شِعاراتٍ ولَيس خُطواتٍ يَقْبَلُها المنطِق السليم ، لَيسَ لَهُ أيَّة حَياةٍ إجتماعيةٍ خَارجَ حُدودِ جَماعَتِةِ ، فَهُوَ علي غَيرِ إتصالٍ بِالمجتمعِ الذي يَتْبَعَ أيديولوجِيةٍ مُختلفَةٍ ، فَهُو مُنْغَلِقٌ عَلي جَمَاعَتِهِ . وإنّهُ بِمقارَنةِ المرشحين ، فإنّهُ بِهَذا الوَصف يَستَحِق التّرْتيب الأخير بَينَ مُرشَّحينَ لا كَفاءَةَ لِمُعْظَمِهم ؛ ولَكنّ الشّعبَ إختَارَهُ .
          فَهل كَانَ النِّظام الذي إخْتَارَهُ السادات في دُستور 71 مِن إنتخابِ الرئيس مِن مَجلسِ الشّعب ثم إستفتاء الشعب عَليه هُو النظامُ الأصْلَح ؟ . ولَكنّ هَذا لَيس حَلًا جيدًا لِلموقِف ، إذْ سَيتركَ الشّعبَ المصري تَحتَ وِصايةِ النُّخْبَة ؛ وهل يَكون مِنَ الأفْضَل إختيار النِّظام البَرلماني النِّيابي مَعَ إنتخابِ رئيسٍ للجمهورية مِن النُّخبة لِيُمْسِكَ بِميزانِ القُوى دُونَ أنْ يَحكُمَ ؛ أمْ يَكون مِنَ الأفْضَل الأخْذ بأيٍ مِنَ النّظامَينِ لِفترةٍ حتّي يَتَدربَ الشّعبُ عَلى حُسن إختيارِ رِئاستِهِ ؟ .
          الرأيُ عِندي أنّهُ لا يُمكنُ تَدريبُ الشعبِ عَلى حُسنِ الإختيار من خِلالِ المُحاضراتِ وحَملاتِ التَّوعية . ولا سَبيلَ إلّا أنْ يَتدربَ الشّعبُ مِن خِلالِ الإنتخاباتِ العديدة فِي مُخْتَلَفِ مَنَاحي حَياتِهِ بَدأً مِن رَئيسِ الحي الذي يُقيم فِيه ثم العُمدَة فرئيسُ المدينة ، والمُحافِظُ ومَجلس المُحافظة ، والأحزابِ السياسية ، ومَجلسٌ لِلشيوخ وآخر لِلنوابِ ، ثم تأتي الإنتخابات الرئاسية ، فنجدها تُفْصِح عن رَئيسٍ هُو إختيارٌ مِن إختيارٍ . ومَع تَسليمي بِأنّ هَذا طَريقٌ طويلٌ لِتدريبِ الشعب عَلي حُسنِ الإختيار ، إلا أنه يبقي هُو السّبيلُ الوحيد الذي لا بديلَ عَنهُ ، ومَهمَا تَأخّرنَا فِي تَدريبِ الشّعب ، فسَيبْقَي الحَال عَلي مَا هُو عَليهِ ألآن إلي أنْ يَتَدرب الشعب .

Saturday, December 21, 2013

هل إختارت مصر فى دستورها أفضل نظام للحكم

هل إختار الدستور أفضل نظام
لحكم البلاد
 تَبَنت لَجنة الخَمسين فى تَرتيبِها نِظامِ الحكم ، النظام المُختلط بِإعتبارهِ الأصلَح لِمصر فى هذهِ المَرحلة ، ولكى نَتَحقق من مدى صَلاحية النِظام ، يَجب علينا أنْ نَنظرَ إلي تَرتيباتِ الحُكم فى النظم الثلاثة ، النيابي والرئاسي والمختلط ، وأنْ نُجري المقارنَة بَينها ، ثُم نُسقِطُ الأمر عَلى الوضع المِصرى فَتَظْهر لَنا الصورة واضِحة .
اولًا : النِّظام النيابى 
النِظام النيابي البرلماني يَكون فِيه الوُزراء أعضاء تَشريعيين في البَرلمان ، فإذا حَازَ حزبٌ على الأغْلبية المُطلقةِ لِمقاعدِ مَجلسِ النواب فَإنّهُ يُشكل الحُكومة منفَردًا ، ومَع تِأسيس الرقابة الحِزبية عَلى أعضاءِ الحزبْ ، فإنّه قَلّمَا يَخْرُج عضو برلمانى عن تَوجهاتِ حِزبه ، وبالتالي فإنَّ هذا قد يُؤَسَّس لِنوعٍ من ديكتاتوريةِ ، أو مركزيةِ القرار . ولمّا كان مِن حَق أيَّ نائبٍ التقدم بِمشروع قانونٍ إلى المَجلس فإنَّه في حَالة تَقدم أحد نُواب المعارضة بِمشروعِ قانونٍ إصلاحي فإنه يُواجَهُ بِرأي الأغلبيةِ الحزبيةِ في المَجلس بِحيثُ لا يَمُر القانون إلّا عِندَ مُوافقتهم .
 ومن جهةٍ أخرى فإنّ إعْمَالَ الرقابة مِن الناحِيةِ السّياسيه عَلى الحُكومة تَراه يَقِلُ تَدريجيًا ، حيث أنَّ الأجهِزةَ الرقابية تكونُ تَابعةً للمَجلس حَيث الحُكومة هي صَاحبة الأغلبية والوزراء لهُم صوتٌ معدود ، وهو فى نَفس الوَقت المَجلس ألذى يَختصُ بِالنظرِ فى مُخالفاتِ الحُكومة ، فهي بالتالى ليسَت مُحايدة البنيان في حَالة إعمال الرقابة على الحكومة ، فيتبقي مَلْجَأُ وَحيد في هذه الحالة هُو مَجلسُ الشيوخ ، فإن كان حَالة من حَالِ مجلس النواب أوصدت أبواب الرقابة .
أما في حالة الحكومة الإئتلافية فَإنّ الوَضع يُصبِحُ أسوأ ، فإنّ الإئتلاف إمّا يَتكَّون من حزبَيْنِ كبيرَيْنِ وإمّا مِن حزبٍ كبيرٍ وأحزابٍ صغيرة ، غَالباً مَا تَكون مِن الأحزابِ المتطرفة عَلى جَانبي الإتجاه الوَسَطى ، فإنَّه إذًا في هذا الوضع ، وفى حالةِ الأحزابِ الصغيرةِ أصبح الإئتلافُ معرضًا لِلانهيار ، أمّا في حَالة الحزبَيْن الكبيرَيْن فإنَّ الإئتلاف هو أصلا مُعرَّضٌ طولَ الوقت لِلانهيار عَلى خَلفية طَلب كل حزب مِنهما للسلطة ، وهُو ما يِترك الحُكومة غَير قادرة على تَحقيقِ آمال أي من مؤَّيدِي الإئتلاف .
ومِن عُيوب هَذا النظام أنّ رئيس الوزراء ، وغَالبا مَا يكون رئيس الحزب ، وهُو مَنتخبٌ مِن الخاصة (أعضاء الحزب) طِبقًا لِلائحةِ الحِزب ، وهُو ليس بِالضرورةِ إنتخابٌ مِن قاعدةِ الحزب ، وغير محددٍ عدد المرات القصوى لإعادَةِ إنتخابه ، وهُو ما يُؤهل لِبقائهِ لمُدةٍ غيرُ مرغوبٍ فيها .
ومن عُيوبه أيضًا أنّه عِندَ إعمال الرقابة البرلمانيةِ على السلطة التنفيذية ، أن الوزراء وهم أعضاء فى الحكومة وأعضاء فى مِجلسِ النُّواب ، فإن لَهُم صَوتٌ مَعدودٌ فى قَرارِ المجلس ، بِما يُشْبِه قِيامهم بِدَوْرُ الخصم والحكم .
ومِن مُميزاتِ هَذا النِّظامُ أنّ رَئيسُ الجمهورية ، وقَد يَظن البعض أنّهُ مَنصِبٌ شَرَفِيٌ ، إلا أنهُ واقعيًا مَنصبٌ فى غَايةِ الأهمية ، ويَظهر دَورُهُ جَليًا في الأزمات ، فَهو يُمسِكُ بِميزانِ القُوى بَينَ السُّطات التنفيذية والقضائية ويرعى مصالح الشعب فى مقابِل السّلطات ؛ والأمثلة على ذلك كثيرة ، سَأسُوق مِنها مَثلا عِند حُكم المَحكمة الدستورية فى خُصوص الإنتخاباتِ البَرلمانيةِ والأزمةِ التى نَشأتْ بَين السلطة التنفيذية والقَضائية أثناء حكم الرئيس مرسى ، تلك التى ما كانت لِتحدثَ فى نِظامٍ نِيابي ، حيثُ تكون مِن واجباتِ رئيس الجمهورية فى هذه الحالة إعمالُ مُقْتَضي الحُكم .
ومن مُميزاتِهِ أيضًا أنّ رئيس السلطة التنفيذية هُو رئيس الوزراء وهُو خَاضِعٌ لإستجواباتِ مَجلسِ النُّواب ، وخاضعٌ أيضًا لِطَرحِ الثقة بِالوزارةِ وإقالَتِها ؛ إلا أنّهُ تَجْدُر الإشارة إلى صُعوبَة هَذا الإجراء فِى حَالةِ وُجود حُكومةٌ للأغلبية ، ويَبقى الحال هُو ضَعف الرِّقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية كَنتيجةٍ طَبيعيةٍ لِتوحدِ الجهةُ المطلوب رِقابتِها والسُّلطةُ المُسيطرة بِالأغلبيةِ عَلى مَجلسِ النوابِ المنوطِ بِهِ إجراءُ الرقابة . ويعتبر النظام البريطانى هُو مِن أفضل النُّظم البرلمانية فى العالم وأقدمها ، وعلي الرغم مِن ذلك فَقد تَناول المُفكر الكبير برايس "  J. Price " على حَدَّ تَعبيرهِ فى تَعليقهِ على النظام الدستورى البريطانى :
" بأَنَّه من المفترض ، والحُكومةُ فى غَيْرِ أوقاتِ الإئتلاف تُكَوِّنُ أغلبية مجلس العموم ، لها رَقَابةٌ دستورية فَعَّالة على الحكومة ، فإنَّ هذا الفرض غيرُ صحيحٍ بالمرة ، ولم يَكُنْ أبداً ، إلا فى أوقاتٍ قصيرةٍ من تَاريخِ المملكةِ المتحدة " .
ثانيًا : النِظامُ الرئاسي 
إنّ تَحديد مُدةٍ قُصوى لإمساك السلطة التنفيذية ، هُو فى الواقع أهم عَوامل تَقدم الأمم وإستقرارها ، فَانّ الحَاكم بِمجرد تَوليه السُّلطة يَسمع بِآذانٍ غَير أذنيه ، ويَرى بِعينينِ غَيرَ عَينيه ، فَهو في واقع الأمر يَنفَصُلُ تَمامًا عن الأمة والشارع . ثم يَاتى التغيير بِشخصٍ على إتصالٍ بِمشاكلِ الجماهير ، وبفكرٍ جديدٍ فى الحلول .
وتُعتَبر الولايات المتحدة الأمريكية هِى أول الدول الحديثة التى تَبَنت هَذا النِّظام مُنذ عام 1787 . ومن مُميزات هذا النظام هُو أنّ الرئيس ، وهُو صاحبُ القرارِ فى إدارةِ البِلاد ، خاضعٌ لِلمحاسَبة شَخصيا عَلى أفعاله ، مثل الحال فى النظام النيابى ؛ إلا أنّ الرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية تَكون أكثر فَعالية فى حالةِ تَبعية ألأجهزة الرقابية لِمجلس النواب . ويعتبر ترتيب السّلطة بهذه الكيفية هو النظام الأفْضَل لإعمال رقَابة البرلمان بِأسلوبٍ فَعال . وعَلى الرغم مِن أن الولايات المتحدة تتبنى نِظامًا دُستوريًا يَسمح للرئيس بِتعيين مُوظفى الأجهِزة الرقابية ، بِالرغم مِن تَسميتها دُستوريًا بِالأجهزةِ المستقلة ؛ فإنّ إعْمَال تَرتيب ضَرورة مُوافَقة مَجلس الشيوخ على تَعييناتِ الرئيس حَقّقَ قدرا من التوازن والحيادية لتلك الأجهِزة . كما وأنه في ظل عَدم وُجود الوزراء أو المدراءِ بالمجلس أو عَدم قُدرتُهم التصويت فيه ، على عكس النِّظام النيابى ، جَعل الرقابَة أكثرَ فَعالية .
إنّ تَجديد فِكر الأمّة بِتغييرِ رئاستِها يَكون هُو السبب المُباشر للتقدم ، فَانّ الإنسان غالبًا مَا يَكون على فكرٍ واحد . لذلك نَرى ان مُعظم الرئاسات أضَافت لأمريكا نَتيجة إختلاف فِكرها ، حَيث يُمكن الحُكم بأنَّ التَغيير هُو السبب المُباشر للتقدم .
ويُمثَّل رئيسُ الجمهورية حَالَ انتخابه بِالأغلبيةِ المُطلقة ما يُوازِي ثُلثَ وزن سُلطة الأمة ، بينما يُمثل البرلمان بِمجلسيهِ ثُلثي سُلطة الأمّة ، وتبقى السُلطة القضائية خَارج المُعادلة من خِلالِ إستقلالها التّام عن السُلطتين .
ومِن المُلاحظ أنّه فِي النِظامِ الرئاسي ، ومَع وُجود مِثل الضمانات التي تَحُدُّ من سُلطةِ البَرلمان أو أحَد مَجلسَيْهِ ، فإنّ البَرلمان يَظل لهُ السُلطة العُليا في البلاد ، إذ لا يُمكن لِقانونٍ أنْ يَصدُرَ إلا مِن خِلاله ، غَير أنه فى هذهِ الحَالة تُصبح سُلطة البرلمانِ أكثَرَ تَرشيدًا وأكثر فَائدةً لِلمجتمع .
ويُعتبر مِن عُيوبِ هَذا النِّظام هُو السلطات الواسعة الممنوحة للرئيس ، وهو سِلاحٌ ذو حَدّين ، إذ انَّهُ يُمكن إستخدامه لِخيرِ الناسِ أو لِلإضرارِ بِهم ؛ فَفى هَذهِ الحالة يَكون حُسن إختيار الشعب للرئيس هُو الفيصل . وإذا دَرسنا إحتمالاتِ حُسن إختيارِ الرئيس ، فَسَنجد أنّ الأمم التى تَرتَفع فِيها نِسبةُ الجَهلِ ، تَنْخَفِض فيها إحتمالات إختيارِ رئبسٍ جيد .
ثالثا : النظام المختلط
وتُعتبر فَرنسا هِى الدولة المُنْشِئَة لهذا النظام أو أهم الدول التى تَستخدِمه . وقد وَضُح من التجربةِ الديموقراطيةِ الفرنسية أَنَّها عَانت كَثيرًا تحتَ وجُودِ مَجلسٍ نِيابيٍ واحد ، ولم يستقر وضع الدّولة إلا في وجودِ مَجلسَيْن نِيابَييْن فى دُستور الجمهورية الخامسة ؛ خاصة في ظِل تَحدِيدِ عَدم قُدرَة الرئيس على حَل مَجْلِس الشيوخ بِاعتبارهِ المَجلس الأعلى ، وهو مجلس أكثر خِبْرة وكَفاءة فَنية ، وأيضًا في ظِل التجدِيدِ النِصْفي لِأعضَائِه ، وأيضاً عندَ عَدم قُدرة الرئيس على حل مَجلس النُّواب إلا بِموافقةِ مَجلسِ الشيوخ ، وهَذه الترتيبات فى مُجْملِها مَعمولٌ بِها في فرنسا ، أمّا في بريطانيا فإنه يمكن القولُ بأن العُرْف البريطاني قد فَرضَ مِثل هَذا الترتيب .  بَينما تَبَنت أمريكا فِى دُستورها مَبدأ المجلسين النيابيين مُنذ نشأتِها .
وفى النّظامِ المُختلط فى الجمهورية الثالثة في فرنسا ؛ رَئيسُ الدولة هو رئيس الجُمهورية وُيْنتَخب لِسبعِ سَنواتٍ بِالأغلبية المُطلقةِ لأعضَاءِ الجمعية الوطنية  ويُمْكن إنتخابه لمرات أخري ، وهُو غَيْرُ مَسئولٍ دُستوريًا عَن أفْعَالِهِ ، وعلى هَذا فإنَّ أَىَّ قرارٍ يُوقِّعه الرئيس لايُؤْتِى أَثَره فى التفعيل إلا بَعد تَوقيعِه مِن أحد الوُزراء الذى يَتحمَّلَ المسئولية وحدُهُ فِى هذهِ الحالة . وَرئيس الحُكومة هُو رئيس مَجلس الوزراء ، يُعَيَّن ويُقَال مِن قِبَل رئيسِ الجمهورية . ومَجلس النواب بِالأنتخاب المُباشر كل أربعة سنوات ولَه السُّلطة العُليا فِى الشئونِ المالية بِالإضافةِ لِسَنِ القوانين . وأحيانا وُجِدَ مَجلسٌ للشيوخ فى هذه الجمهورية وكانَ دائمًا مجلسًا إستشاريًا وينتخب مِن المحليات . وسَقَطَت فرنسا فِى دِكتاوريةِ المَجلسِ التشريعي الواحد فى مدة الجمهورية الثالثة منذ عام 1872 وحتى 1945 بَعد الحرب العالمية .
وبدأت بَعدها الجمهورية الرابعة على خَلفية مَجلسٍ تَشريعيٍ واحدٍ ومَجلسٌ للشيوخ بِصفةٍ إستشارييةٍ ، وبِنفسِ حُقوق وواجباتِ رئيسِ الجمهورية ورئيس الوزراء ، ورَئيسُ الجُمهورية غَير مَسئولٍ عن أفعالِه وبِنفس نِمطِ الجمهورية الثالثة ؛ ولَم تَكنْ أكثرَ تَوفيقًا مِن الجمهورية الثالثة ، فَلا يُمكن أن تستمر حُكومةٌ فى نَفس مسارِ سابِقَتِها وتَحصل على نَتائج مختلفة .
وإستمرَّ إنحدَارُ الدولة حتى عام 1958 عِندمَا أسّسَ ديجول الجمهورية الخامسة بِدستورٍ تَضمَّن تَوازُناً للقوى بين الرئيس والبرلمان والحكومة ، ولَكِن لم يَظْهرْ فيه إنفصالٌ حَقيقيٌ لِلسلطاتِ مِثل ما ظهر فى الدستور الأمريكى ، حيث تَداخَلت السُّلطاتُ إلى حَدٍّ ما . وأسّس الدُستور لِمجلسَيْنِ تَشريعيينِ يَحظي كُل مِنهم بِحق التشريع ، ولكنّهم مُخْتَلِفَيْنِ فى التكوين .
لِرئيس الجمهورية سُلْطةُ حَلِّ البرلمان ولَكِنْ لا يَسْتطِيعُ مُمارسة هذا الحق لِمرةٍ ثانيةٍ فى خِلالِ السنة ، وله أَنْ يَقْترِحَ القوانين ولَهُ فِى حَالةِ عَدم إتفاق مَجلسي البَرلمان وَضَعَ ألأمر لِلاستفتاءِ العام ، ولَهُ إختيار رئيس الوزراء .
وحَدَّد الدّستور أُمُورَ طَرْحِ الثِّقة بِالوزارة بِواسطةِ البرلمان وإجبَارِها عَلى الإستقالَة فى هَذهِ الحالة . وحدد الدستور فى المادة الرابعة بأَنَّ الأحزاب يَجِبُ أَنْ تَحْترِم مَبْدأَ أَنَّ السُلطة لِلشعب ومَبدأ الديمقراطِية فى الحُكم ، وأرْسَي الدُستور مَبدأً جَديداً على الدساتير الفرنسية وهُو أَنَّ الوزراء لا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونوا أعضاءً فى البَرلمان ، ولكن بِخلافِ الدستور الأمريكى صُرِّحَ لِلوزراءِ الحضور فِقط فى البرلمان ومَنَحَهُم الحقَ فى التحَدثِ إلى البَرلمان مَتى طَلبوا ذلك دُونَ حقِ التصويت . وأَنَّ هَذا المَطلب تَحديدًا كَانَ قد قَاتَل اللورد سيسيل شيلوود لِتحقِيقِهِ فِى بِريطانيا دُونَ أَنْ يُحقِقَ النجاح . وأَسَّس الدستور الفرنسي لِمجلسٍ دستورىٍّ لِمراقبةِ دُستوريّة القوانين التى تَصْدُر عن البرلمان .
ومِن عُيوب هَذا النّظام أنّ الرئيس هُو الذى يُعين المَسئولين ويَفصِلهم وهُو الذى يُسيِّرُ سِياساتِ الدولة إلا أنّه لا يَتَحمّلَ تَبِعاتِ قِراراتِه ، ويَتحملها عَنهُ رَئيس الوزراء أو الوَزير المُختص . ومِن عُيوبِها أيضًا أنّ الرئيس يعين رُؤساء وأعضاء الأجهزة الرقَابِية التى يُفترض فِيها أنْ تُراقِبَ أداءُ السّلطة التنفيذية .
الجدول الاتى يوضح مقارنة بين النظم الثلاث .
المــــــــــــــــــــــــــــــادة
البرلمانى
الرئاسي
المختلط
رئيس السلطة التنفيذية
رئيس الوزراء
رئيس الجمهورية
رئيس الجمهورية
وجود سلطة دستورية أعلى تكبح السلطة التنفيذية
رئيس الجمهورية
لا يوجد
لا يوجد
رئيس السلطة التنفيذية يتحمل تبعات قراراته
نعم
نعم
لا
رئيس السلطة التنفيذية يعين الوزراء
نعم
نعم
نعم
الوزراء أعضاء فى البرلمان ولهم صوت معدود
نعم
لا
لا
المدة القصوى للحكم
لا توجد
محددة
محددة
سلطة حل البرلمان
موجودة مع حل الوزارة
غير موجودة
موجودة بشروط
سلطة تعيين أعضاء فى البرلمان
غير موجودة
غير موجودة
موجوده
سهولة أو صعوبة إقصاء رئيس السلطة التنفيذية
أسهل
أصعب الي حد ما
أصعب الي حد كبير
تبعية الأجهزة الرقابية
يعينها ويعفيها الرئيس
يعينها بموافقة مجلس الشيوخ
يعينها ويعفيها الرئيس
فعالية رقابة الأجهزة الرقابية
ضعيفة الوزراء لهم صوت بالمجلس
عالية لتداخل مجلس الشيوخ فى التعيين
ضعيفة الي حد ما
         
رابعًا : الدستور المصرى الجديد
          وفِى المادة (159) يُمكن لِمجلسِ النواب فِى حَالةِ إنتهاكِ الدستور أو الخيانَةِ العُظمى أو أية جِناية ، وبَعدَ تَحقيقٍ يُجريه النائب العام ، أنْ يُوقِفَ الرئيس عَن العَمل لِحينِ محاكمَتِهِ جِنائِيًا أمام مَحكمةٍ خَاصةٍ تتكون مِن خمسةٍ مِنَ القضاة ، فإذا أُدينَ أُعفِيَ مِن مَنصبِهِ . ونُلاحظ هُنا أنّ هَذهِ المُحاكمة هِى مُحاكمَةٌ جِنائية الشكل ، يَتولاها قُضاة ، ويَتولى الإدِّعاء فيها النائب العام ؛ ومثل هَذهِ المحاكماتِ الجِنائية ، الإدَانَةُ فِيها طَريقُها صَعبٌ ، إذ يَلزم إثبات الجُرمِ بما لا يَدَعُ مَجالًا مَعقولًا للشك ومُدتها طويلة ، ونُلاحظ أيضًا أنّ الدستور حَدد أنّ حُكمها غَير قَابلٍ لِلطعنِ عليهِ ، وهو أمرٌ لا يَتفق مَع نُظم العُقوباتِ الجنائية المعمول بها فى العالم ؛ وكَانَ يَجدُر أنْ تَكونَ المُحاكَمة هِى مُحاكمةٌ سِياسية يَتولاها النُّواب وتُطرح لِلتصويتِ فِى جَلسةٍ خاصة لِلبرلمان بِرئاسَةِ قَاضٍ ، ولا يَمتد حُكمُها لأبْعَدَ مِن الإقالة ؛ وبَعد نَزع صِفةِ الرئاسةِ عن الرئيس ، يُصبح مُواطنا ويتولى القانون العادى مُحاسبتُه على أي جنحةٍ أو جنايةٍ بِالحقوقِ القانونيةِ المُقررةِ للمواطنين .
          تَوازنَ السلطاتِ فى الدستورِ ضَعيف ، فَأغلبُه يُحيل الأمر إلى الإستفتاء الشعبى بِعقوباتٍ على الخَاسِر ، وهُو ما قد يؤدى إلى كثيرٌ من ألإحتياط لِكلِ سلطةٍ من تبعات مواجهة السلطةِ الأخرى ، وهو ما قد يُؤدى إلى إستبدادِ كُل سُلطةٍ بشئونِها خَوفًا مِن خَسائِرِ المُواجهة .

          ويُمكِنُ أنْ نَستخلِصَ مِنْ هَذهِ الأُمور مُجتمعة ، إذا أسقطناها على الواقع المصري ، أننا إخترنَا نِظاما هُو ألأسوء من الثلاثة . فإن النظام النيابى ، على الرغم مِن أنّهُ يَلزَمه أحزابٌ قَوية لِيستفيد الشعب من تطبيقه ، وأنّ مِصر فى حَالةِ فَوضى حِزبية ، ويَلزَمُها بِرنامج قَانوني وتَمويلي لِتَنْشَطَ به الأحزاب ، إلا أنّهُ يَبقى أفضلُ حَالًا مِنَ النظامِ المُختلط ، خَاصةً فى دَولةٍ ثَقافَةُ شَعبِها ومُوظفيها تَتسم بِالخُضوعِ لِلسلطَة العُليَا وتَمْجِيدها .

Sunday, December 15, 2013

تعليق على مشروع دستور 2013 المقدم من لجنة الخمسين

التعليق على مشروع دستور 2013
المعد بمعرفة لجنة الخمسين
        بادئ ذى بدأ تجدر الإشادة بالمجهود المستمر الذى قامت به لجنة الخمسين للتغلب على الخلافات فى وجهات النظر بين الأعضاء ، ويحب أيضاً أن نشيد بالمجهود الذى قام به السيد / عمرو موسى المقرون بقدر كبير من اللباقه ، وحسن التصرف وبعد النظر للسيطره على خلافات الأعضاء ، وهو ما كان له أكبر ألأثر فى إكتمال مهمة اللجنة بدون مظهر الإستقالات الجماعية التى شهدتها لجنة دستور 2012 . وهو أمرٌ ليس بغريبٍ على منْ له مِثل حنكة السيد عمرو موسى وخِبرته السياسية .
        ولا يجب أن يُؤخَذ مقالى هذا على أنّهُ مُعارضٌ للدستورِ أو مُؤيدٌ له ، وإنما كان ما أكتبه هو خواطرٌ عَبَرَتْ خَيالى ، فَقَرنْتُها بِما قَرأتُه مِن تَاريخِ الدّول فى تَرتيبِ ديمقراطياتها ، ما أفْلَحَ منها وما جَنَح ، عَسى أن يُؤخذَ بها فى دستورِ مصر .
        لذا فإن هذا المقال لن ينتهى إلى التوجيه بالتصويت على الدستورِ ، سواءً بِنعم أم بلا ، إنما هو حقاً سَيُساعد الكثيرين على تكوين رأيهم فى الموضوع .
أولا ً : خواطر عامة على مشروع الدستور
        قَيدَ الدستور الكثير مِنْ سُلطاتِ رئيس الجمهورية ، وكان ذلك نَتيجةً لِفقدِ ثِقة النُخبةُ فى عامّةِ الشعب من حيثُ قُدرتهم على إنتخابِ رئيسٍ يَعملُ لِصالحِ الشعب مثلما ظهر من التجربةِ الأخيرة ، ففضلوا تقييدَ سُلطاتِه إلى حَدٍ يُوصف بأنه مُعوقٌ لِتقدمِ الأمة.
        إنّ إنتخابَ رئيسُ جمهوريةٍ من الشعب بِكاملهِ ، ثم حِرمانُه من الحق فى فَصلِ بعض الموظفين غير المنتخبين مِثل النائب العام أو أعضاء الهيئات القضائية أو شيخ الأزهر عند إساءةِ إستخدام سُلطاتهم قد يوقع الدولة فى مشاكل عديدة من عجز الإدارة عن التطوير ، أو مثل المأساةِ التى عانت منها أثناء فترة النائب العام الذى عينه الرئيس مرسى ؛ بحيث يُصبحُ إطلاقُ يَدِ الرئيس فى التعيين مُسَاوٍ فى السُوءِ لِحرمَانِهِ من إقالة الفاسد .
        إنّ المطلوب للأمةِ ليس تقييدُ سُلطاتِ الرئيس ، بل تَرشيدُ سلطاتِهِ ، خاصةً إذا أصَاب بعضها الشطط أو التسرع ، ولهذا السبب تحديداً قد كتبت مرارًا عن ضرورةِ وجودِ مجلسٍ للشيوخ يَتكون مِنْ مُثقفى الأمة المنتخبون تمثيلا ً لِكُلِ مُحافَظَةٍ ، وان تَكون من ضِمن مُهماتِ هذا المجلس الموافَقَةُ على تَعييناتِ وإقالاتِ الرئيسُ لموظفى الدولة . بهذا يتأتى مُراقبة سلطات الرئيس أو تَرشيدِها إذا لَزِمَ الأمر . أما نزعُ سُلطاته فَهُوَ يَترُكُهُ عَاجِزًا عَن خِدمة الوطن ؛ ذلك بالإضافة إلى أنّهُ كل من كانَ ذُو حِكمةٍ فمن المؤكد انه لَنْ يَقبلَ بِالترشحِ لوظيفةٍ بِهذه المواصفات ، فلن نَحصل من المرشحين إلا على طَالبى السلطة .
        أمّا وقَد أتَتْ الرِّياحُ بِما لا تَشتَهِىَ السفن بإلغاءِ مَجلسِ الشيوخ ، فإنّهُ يبقى من الضرورى إعطاءُ الرئيس الحق فى إقالةِ البعض مِمنْ يَثبُت عدم صلاحيتُهم ، وذلك بِموافَقةِ لجنةٍ من مَجلسِ النواب إلى أن يَتِّمَ إنشاءُ مَجلسٍ للشيوخ .
        وهذا الأمرُ ينطبق أيضًا على وزير الدفاع ، فإنّ إختياره بمعرفةِ مَجموعةٍ مُعينةٍ من ضباطِ المجلسِ الأعلى يتنافى مع مبادئ الديمقراطية التى يَتولّى الحُكم فيها وإختيارُ مُوظفيهِ سُلطةٌ منتخبة وليست معينة ، خَاصةً وأنّ مُخالفة قَواعد الديمقراطية المسطورةِ فى الكُتبِ والمراجع يَأتى بِحكمٍ دِيكتاتورىٍ ، حتى وإنْ وُجِدَ دُستورٌ ديمقراطى التوجه .
ثانيًا :
        يَحتوى الدستور على أكثر من ثلاثين مادة أقرب للبرنامج الإنتخابى مِنها إلى مواد دستورية ، فبعضها يُوجِّهُ طلباتٍ إلى الأمة ، وبعضُها يَمنح وُعودًا للأمة ؛ وكان يجدر تركها لبرامج المرشحين وللقانون ؛ إلا أنّه فيما يَبدو قَد لَزِمَ إدراجها لِجمعِ شَمل الوطن ، وهى لا ريب قد أتَتْ بِهذا ؛ وهو الأمر الذى ظهر جليًا ، وبَعدَ طُولِ عَنَتٍ ، من تأييدِ الفلاحينَ للدستور بَعد أن أزال تمثيل الفلاحين والعمال بنسبة 50% فى مَجلس النواب .
ثالثًا :
        خَصص الدُستور فى موادِه أرقام 18 - 19 - 21 - 23 نِسبةً من الناتج القومى تُساوى 3% للصحه و4% للتعليم و2% للجامعات و1% للبحث العلمى على التوالى بإجمالى 10% ، وألزَمَ الحكومة بِأنْ تُخصص هذا المبلغ من الإنفاق الحُكومى ؛ وجاء النص " وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومى ألإجمالى " . ومَع العلم بِأنّ النسب العالمية فى هذا الصدد تَدور فى الدول الأوربية حَول 9% للصحة و 5% للتعليم ، والولايات المتحدة 5 % للصحة و 5% للتعليم والسعودية 3% للصحة و 6% للتعليم ؛ إلا أنَّ هذه النسب محسوبة على أساس إجمالى إنفاق ألأفراد مَنسوباً إلى الدخل القومى ، وليس إنفاق الحكومة من ميزانياتها على الصحة منسوبًا إلى الدخل القومى . وقد يتضح ألأمر إذا علمنا أن إجمالى الدخل القومى المصرى كان يمثل تريليون ومائتا مليار جنيه مصرى فى عام 2011 ، بينما كانت إيراداتُ الدولة فى هذه السنة 225 مليار مُقابل مَصروفات 319 مليار جنيه ، فإذا أعْمَلْنا نِسبة العشرة فى المائة من الناتج القومى أى 120 مليار جنيه فإن هذا المبلغ يساوى 54% من إيرادات الميزانية فى ذلك العام ؛ وإذا طبقنا ذلك على عام 2013 فقد نحصل على نسبةٍ أعلى قليلًا ؛ والأمرُ إجمالاً خيالى إلى حدٍ كَبير ويَلزم مُراجعته .
رابعًا :
        نَصت المادة (185) الخاصة بِالسلطةِ القضائية والمادة (191) الخاصة بِالمحكمةِ الدستورية العليا والمادة (203) الخاصة بالقوات المسلحه ؛ بأنّ ميزانياتِ تلك الجهات وبعد مناقشتها فى مَجلس النواب ، تُدرج فى مِيزانيةِ الدولة رقمًا واحدًا ، وهو عيب كبير فى الدستور ، فلست أعلم ما هُو المطلوب حَجبه عن الأمةِ فى هذهِ الميزانيات ، فإن السُّلطة القضائية لا يَجبُ أنْ تُخْفَى مصروفاتها على الأمة ؛ أما القوات المسلحه فإن مشترياتها من المعدات مَنشورةٌ على المواقع العالمية ، فلماذا نُخفى عن الشعب المصرى مايَعلَمُهُ العالم عنه ، وإن كان القصدُ هو المشاريع الإنتاجِية الخاصة بالقواتِ المسلحه فإن لمصلحةِ الجَميع أنْ تعلمُهُ ألأمة . إنّ الدستور بِهذه النُصوص لا يُحقق الشفافية المطلوبة حَتّى على معايير هذا الدستورِ نفسه فى مواده الأخرى .
خامسًا : تعليق على بعض مواد مشروع الدستور
مادة (12) نصت على  " لا يجوز إلزام أى مواطن بالعمل جبراً إلا بمقتضى قانون "
        إنّ إجَازة إجبار المُواطن على عَملٍ معين يتعارض مع مفهوم الحرية بالدستور ، حتى وإن كان بأجرٍ عادل . فَإنّ الرجل يَعمل بإرادتِه وبأجرٍ عادل .
مادة (13) نصت على  " تلتزم الدولة بالحفاظ على حقوق العمال ........ ويحظر فصلهم تعسفيًا ....." ومادة (14) نصت على  " الوظائف العامة حق للمواطنين ...... ولايجوز فصلهم بغير الطريق التأديبى "
        الفصل التعسفى يقع إثباته فى هذه الحالة على صاحب العمل ، حيث يَلزمُه إيجاد سَببٍ للفصل يتفق فى إجراءاتهِ مع قانون العمل . ولما كَان قانون العمل قد فَرضَ طريقًا مُعقدًا ومُستهلكًا للوقت والمجهود من إنذاراتٍ وتحقيقاتٍ وخصوماتٍ ، وهو عبءٌ أصبح ثقيلًا على الشركات . ولمّا كان أيضًا مِن غير المنطقى فَصل عاملٍ مجتهدٍ ، فإنّ مثلَ هذا التحديد فى الدستور يعتبر مُضرًا بعمل الشركات ، ومِن ثَمّ فمن الأفضل ترك هذا الأمر ليعالجه القانون وليس الدستور .
        أما الفصل بالطريق التأديبى للموظف العام ، فإنه كان السبب المباشر فى إهمال أصحاب الوظائف العامة ، حتى أصبحت الأمة تعانى من التأخير فى مصالح المواطنين ، ومن الأفضل أيضًا ترك هذا الأمر ليعالجه القانون .
        ومِما لاشك فيه أنّ مصرَ لن تتقدم قَبل إعمالِ التوازن بين حقوق العُمال وأصحاب الأعمال ، فقد جربنا هذا القانون على مدى خمسين عامًا تأخّرَ فيها أداءُ الموظف والعامل المصرى ، بينما أظهر الموظف والعامل المصرى كفاءةً عظيمةً فى حالة إغترابِه ، والفرق الوحيد هو قانون العمل .
        لذا فإن إدراجَ مثل هذه النصوص فى الدستور ، مع العلم بصعوبة تعديل الدستور سيؤثر سلبًا على نشاط العمال والموظفين ، بما لايمثل ، صالحًا لهم ، أو صالحًا لأصحابِ الأعمالِ ، ولا حتى صالحًا للحكومةِ فى إداراتها ، فضلًا عن صالح الوطن .
المادة (17) جعلت أموال التأمينات الإجتماعية أموالا خاصة ، وفى نفس الوقت تتمتع بأوجه حماية المال العام ، كما تتمتع بضمانِ الحكومةِ لها .
        فإذا عَلمنا أنّهُ طِبقاً للتقاريرِ الأخيرة فإن أموال التأمينات تَقِلُ قليلًا عن أربعة تريليونات جنيه ؛ وقد إقتَرضَتْ الحكومة بعضها وتحاول جدولته .
        وأنا لا أفهم ماهو الهدف من جَعلِها أموالًا خاصةً تحت تَصرفِ جِهةٍ حُكوميةٍ ، فإن كان الهدف إستثمارها فى البورصة والشركات ، فمن المفضل الإبقاء عليها أموالًا عامة ، وإذا كان القصدُ هو الحد من إقتراضِ الحكومة لأموالِ التأمينات ، فَتَجْدر الإشارة الى أنّ مُعظم هذا الدين تكون فى فَترة الثورة فى ظِلِ عدم وجودِ مَجلسٍ للنواب صاحب الحق فى الموافقة على إقتراضِ الحكومة ، وأن الأمر سَيستمر إذا ما تم إنتخاب مجلس ضعيف ، سَواءً كان وصف الأموال دستوريا بأنها أموالًا خاصةً أو أموالًا عامةً ، فإنه يجب الحد من إقتراض الحكومة لهذه الأموال ، وهو ألأمر الموكل لمجلس النواب .
المادة (21) نصت على  " تكفل الدولة إستقلال الجامعات ..... وتكفل مجانيته فى جامعات الدولة ومعاهدها "
        وكان يجدر تركها للقانون ، فهل يرغب الشعبُ المصرى فعلا فى دعم طالب يتكرر رسوبه فى الجامعة . فَمِثل هذه المادة فى القانون قد ساهمت بقدرٍ ما فى تَأَخِّر التعليم الجامعى ، فما بَالُنا إذا ما إحتواها الدستور .
مادة (29)  نصت على  " الزراعة مقوم أساسى للإقتصاد ............ وتلتزم الدولة بتوفير مستلزمات الإنتاج وشراء المحاصيل الزراعية الأساسية  ..... كما تلتزم بتخصيص نسبة من الأراضى المستصلحه لصغار الفلاحين وشباب الخريجين "
        كان يجدُر أيضًا تركُه للقانون ، فإن أحوال الزراعة فى مصر تحتاج إلى الكثير من العمل التشريعى ، حَيثُ أنّ تفتيت المِلكيات أبْعَدَ مصر عن الإنتاج الإقتصادى المُمَيْكن للمنتجات الزراعية ، وأنه عند إنتخاب رئيس ذو رؤيةٍ لإصلاحِ شأن الوطن فى هذا المجال سَيصتدم بِمعوقٍ دستوري يَصعب التغلب عليه .
مادة (23) وقد حددت مددًا قُصوى لِمنحِ حق الإستغلال للموارد الطبيعية بثلاثين عاماً وبالنسبة للمحاجر والمناجم الصغيرة بخمسة عشرة عامًا .
        هو أيضاً أمرٌ غير مناسب فإنّه بِالرغمِ مِنْ أنّ الهدف من إدراجها هو المحافظة على حقوق الشعب ومنع إستغلاله ، إلا أن تقييد المتعاقد دائمًا مايأتى بإستغلالٍ سيئ يُفْسِد أحياناً الموقع من حيثُ الإستخدامِ والصيانة فى نهاية المدة . ويُعتبر القانون أقدر فى هذا الشأن على علاج الأمر ، كَأَنْ يُحدد إجراءَ مُراجعةٍ لحقوق الشعب كل فترةٍ زمنيةٍ ، وأن يُدْرَس كُل مَوقعٍ على ضوء إمكانياتِه وقدراتِه على الإنتاج .
المواد (34) و(35) و(37) لم تُساوى بين الملكيات حيث أسْبَغَتْ صِفة الحُرمة على الأموال العامة بينما وصَفتْ الملكية الخاصة بالمصونة والملكية التعاونية بِأنها مَحمية ومَدعومة . وكان يَجدُر مُساواة الملكيات دستوريا ، حتى تتساوى فى المراكز القانونية . فإن الإعتداءَ على ملكيةِ الأفراد أو الشركات لايقل شأنًا عن الإعتداءِ على ملكيةِ الشعب أو الحكومة . وهذا نَصٌ أصيل فى الدساتير المصرية القديمة حيث أوردها دستور 23 ودستور 30 فى المادةِ التاسعة منهما .
مادة (38) نصت على " يهدف النظام الضريبى .... ويحدد القانون طرق وأدوات التحصيل  ...  ومايودع منها فى الخزانة العامة للدولة "
        وهو نَصُ يؤسِّسُ للصناديقِ الخاصة التى يُعانى منها نِظام الدولة ، ويعانى منها المواطنون ، ويساهِمُ فى تَسريب أموالٍ من رقابةِ أجهزةِ الدولة .
مادة (42) نصت على " يكون للعاملين نصيب فى إدارة المشروعات وفى أرباحها .... ويكون تمثيل االعمال فى مجالس إدارة وحدات القطاع العام بنسبة 50% من الأعضاء المنتخبين .... وبنسبة 80% فى مجالس إدارات الجمعيات التعاونية الزراعية والصناعية والحرفية "
        إن إطلاقَ النص فى الشِّق الأول بإشتراك العُمال فى مجالس الإدارة وأرباحها وهو ينسحب على القطاع الخاص والإستثمارى ، هو نصٌ مُعوقٌ لجذب الإستثمارات ويجب التخلص منه إذ أن النص عليه فى الدستور يجعل من الصعب تعديله ، ولن يصدق أحد عدد المصانع التى ستغلق أبوابها إذا ما طالب العمال بإعمال النص .
        أما بشأن القطاع العام والجمعيات ، فإن القطاع العام مليئٌ بالمشاكل ، وهو يحتاج إلى خبراء على أعلى درجة من العلم لإنقاذه ، بحيثُ يُصبحُ من الغير منطقى أن يحتوى الدستور على مثل هذه الشروط ؛ علماً بأن الإقتصاد المصرى لن يتقدم طالما كان هذا هو حالُ أكبر صِناعاته من القطاع العام .
مادة (58) نصت على " للمنازل حرمة وفيما عدا حالات الخطر أو الإستغاثة لا يجوز دخولها."
        " حالات الخطر " هو نص متسع ويجب إزالته من المادة .
مادة (102) والخاصة بتشكيل مجلس النواب
        وحددت أنه من شروط الترشح أن يكون " حاصلا على شهادة إتمام التعليم الأساسى " ، فإذا قَرَنّا هذه المادة بالمادة (19) والتى نصت على أن " التعليم إلزامى حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها " فإنه إذا ماتم إعمال مقتضى تلك المواد فى التطبيق ، تكون مصر قد قطعت شوطًا لا بأس به فى التخلص من المُشَرِّعينَ قليلى إن لم يكن عديمى التعليم .
        وقد أجازت المادة لرئيس الجمهورية تعيين 5% من الأعضاء وهو أمر لا لزوم له وقد يزيد عن 25 عضوًا ، وهو غير متبع فى معظم ديمقراطيات العالم وتجدر إزالته من النص . ولم يكن موجودا بدستور 2012 وكان دستور 1971 ينص على أنه يحق للرئيس أن يعين ما لا يزيد عن عشرة أعضاء فى مجلس النواب .
مادة (103) إحتفظت لأعضاءِ المجلس بِوظائفهم ، وهوأمرٌ غير منطقى إذا كنا نريد إدارة مؤسسات الدولة بكفاءة ؛ فكيف تعمل أى إدارة فى غياب أحد موظفيها لخمس سنوات ، وكيف تعمل بزيادة أحد الموظفين عند عودته .
مادة(121) نصت على ".... كما تصدر القوانين المكملة للدستور بموافقة ثلثى عدد أعضاء المجلس وتعد القوانين المنظمة للإنتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية والأحزاب السياسية والسلطة القضائية والمنظمة للحقوق والحريات الواردة بالدستور ومكملة له "
        فى الواقع إنّ نِسبة ثُلثَى أعضاء المجلس هى نسبةٌ معوقه لإصدار القوانين ، إذ أن العديد من جلسات المجالس السابقة لم يصل عدد الحضور فيها إلى ثُلثى عدد الأعضاء ، ثم من جانب آخر فإن هذا الترتيب سَيترتب عليه التأسيس لِمبدأ أن تكون كل سلطة من السلطات الثلاثة المذكورة بالنص هى المكلفة بأكبرِ جزءٍ من الرقابة على نفسها ، وهو مايتعارض مَع مبدأ رِقَابة السلطات لِبعضها .
مادة (124) نصت على "..... ويجب موافقة المجلس على نقل أى مبلغ من باب إلى أخر من أبواب الميزانية العامة "
        وهُو فى الواقع نصٌ جَيد ، وكَان هذا يَتم بِموافقةٍ من السلطة التنفيذية ، وإسنادُ السلطة لمجلسِ النواب فى هذا الدستور أمر أكثرَ إنضباطا ؛ وإنْ كانَ يَلزم أيضا أن يُنص على أخذ موافقة مَجلس النواب أيضًا على نَقل أى مَبلغٍ مِنَ إعتمادٍ إلى آخر داخل الباب الواحد بِإعتبارِ المجلس مُمثِلُ صَاحبِ المال .
 مادة (137) أجازت لرئيس الجمهورية حل مجلس النواب ، وعلى الرغم من أن المادة وضعت شروطاً لذلك مثل الضرورةِ ، وتسبيبِ القرار ، وإستفتاءِ الشعب عليه ، إلا أنّ تلك الإجازة تَبقى أمرٌ غَريبٌ على الديمقراطيةِ ، حتى وإن ورد فى أغلب دساتير مصر السابقة . فإذا رجعنا إلى نص المادة (106) والتى حَددت مُدة المجلس بِخمسِ سنواتٍ ، وهى المدة التى تَبَنَتْها أغلبُ الدساتير المصريةِ السابقة ، إلا أنه كان من الأفضل ، فى حَالة التخوف مِنْ تَسلّط المجلس ، أنْ يُنَصّ على مُدة المجلس بِستِ سنواتٍ مع إجراءِ تجديدٍ نصفى للأعضاء كل ثلاثةِ سنواتٍ . وفى هذه الحالة لا لزوم أن يُمنحَ الرئيس حق حل المجلس بأى طريقة .
مادة (140) نصت على أن تبدأ إجراءات إنتخاب رئيسٍ جديد قبل إنتهاء مدة الرئيس بِمائة وعشرون يومًا . وهى مدة قليلة وكان يجدر أن يَشْترط الدستور بدأ الإجراءات رسمياً بمدةٍ أكبر بِحيث يُقفل بَاب الترشيح قَبل موعد الإنتخابات بِستةِ أشهرٍ على الأقل حتى يَتعرفَ الشعب على المرشحين بِطريقةٍ أفضل وأعمق .
مادة (141) حددت شرط الترشح للرئاسة " أن يكون من أبوين مصريين وألايكون قد حمل أو أى من والديه أو زوجه جنسية أخرى"
        وكان يجدر سَحب النص أيضًا على جِنسية ألأبناء ، فإن الثابت أنّ الأبْناء هم ألأكثر مَدعاة للفساد من آباء الرؤساء ، وكان يجدر أن تسحب نفس الشروط على رئيس الوزراء فى المادة  (164)
مادة (146) نصت على " يكلف رئيس الجمهورية رئيسا لمجلس الوزراء .... فإذا لم تحصل حكومته على الثقة كلف الحزب أو الإئتلاف الحائز للأكثرية بالوزاره ، فإذا  لم تحصل على الثقة عُدَّ مجلس النواب منحلاً "
        وهو ترتيب غير مفيد ، ومتعدد المشاكل والإجراءات ، وقد أورده الرئيس مرسى فى دستورهِ ، وكان يجدر النص على أن تُشكل الوزاره من الحزب أو الإئتلاف الحائز على أغلبية المجلس وأن يُكررَ الإجراء بإختيار رئيس وزراء آخر دون اللجوء لحل مجلس النواب .
مادة (180) والخاصة بشروط الترشح للمجالس المحلية ؛ فإن شرط السن بواحد وعشرين عاماً هو سن صغير لا يُؤَسس لجدية المجلس فى مباشرة أعماله .
مادة (190) إشتراك مجلس الدولة أو القضاء عمومًا فى صياغة مشروعات القوانين والقرارات مَعيبٌ ، فإن القاضى لا يجب أن لا ينظر فى أي موضوعٍ إلا من على منصة القضاء ، وفى وجود خصوم .
مادة (196) وهى التى منحت هيئة قَضايا الدولة كافة الضمانات والحقوق المُقررة لأعضاء السلطة القضائية . ولمّا كَانت هيئة قضايا الدولة تقوم بدور المحامى عن الدولة فى قضاياها ، فلا مُبرر إذًا لِمنحِها هذه الضمانات ، إلا فى حَالة تكليفها بعَملٍ من الأعمال التى تشترك فيها مع القضاء ، مثل حالة ندبهم للإشراف على الإنتخابات مثلاً . والمادة أصلًا تتناول أمراً يَجدر تَركهُ للقانون .
مادة (204) وهى الخاصة بالقضاء العسكرى وقد نصت " يختص دون غيره بالفصل فى كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحه وضباطها وأفرادها ومن فى حكمهم ..... ولا يجوز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى إلا فى الجرائم التى تمثل إعتداءً مباشراً على المنشآت العسكرية أو المعسكرات أوما فى حكمها .... أو معداتها أو مركباتها أو أموالِها أو المصانع الحربية أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد أو الجرائم التى تمثل إعتداء مباشر على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم "
        وهذا النص متسعٌ جداً . فأولًا بالنسبةِ للخصوصيةِ المتعلقةِ بجرائم التجنيد فإن العُرف قَد جرى فى مِصرعلى أن تَقوم الشرطة المدنية بضبط المتهربين من التجنيد وتسليمهم إلى منطقة التجنيد ، ويعتبر المتهرب مجندًا من تاريخ وساعة تسليمه ، ويخضع بطبيعة الأمور للقضاء العسكرى إبتداءً من هذا التاريخ ، وهو ترتيب جيد ولا مبرر لِتعديلِه فى مادةٍ دستورية ، حيث لا يوجد فيه تداخل للعسكريين فى حياة المدنيين ، وهو أفضل أيضا لحفظ هيبةِ أفراد القواتِ المسلحة ، وإعلاءٌ لِكرامةِ أفرادها .
        ثانيًا فإن مُحاكمة أى مدنى أمام القضاء العسكرى هو أمرٌ إتفقَ العالم على تَجَنبه ؛ فإذا نظرنا إلى حَالنُا فى مصر ، فإننا نرى أنه بالرغم من وجود هذا النص فى دساتير أو تدابير سابقة ، إلا أنّ السُلطة دَرجَت على مُحاكمة الجواسيس العسكريين التابعين لِدولٍ أجنبيةٍ أمام القضاء العادى لأمن الدولة ، الأمر الذى إستمر فى الدستور السابق ، ومِن المؤكد أنه سَيستمر بعد هذا الدستور ضَمانًا لِحجيةِ الأحكام أمام الجِهاتِ الدولية . فلماذا إذًا يُحرمُ المِصرى مِن المُحاسبة أمام القضاء العادى ألأمر الذى يَحصُل عليه الأجنبى على أرض مصر فى إعتداءٍ هُو أكبرُ شَأنًا على القوات المسلحة .
مادة (210) فى فقرتها الأخيرة حددت المحكمة الإدارية العليا للفصل فى الطعون على قرارات الهيئة المتعلقة بالإنتخاباتِ الرئاسيةِ والنيابيةِ ونتائِجها فيما قد يمثل تداخلا مع سلطات محكمةِ النقض فى إنتخابات مَجلسِ النواب فى المادة (107) . كما وأن المادة قد جَعَلت حُكمها نهائىٌ ، وهو تَحصينٌ لا لزوم له .ِ

مادة (215) وقد حَددت الهيئات المُستقلة والأجهزة الرقابية ، ومِنها الهيئة العامة للرقابةِ المالية ، والجهاز المركزى للمحاسبات ، وهيئةِ الرقابةِ الإدارية ؛ ومِنَ البَديهى أنّ الأجهزة التى تُراقِب السّلطة التنفيذية يَجب نَقل تَبعيتها إلى مَجلسِ النواب ، فَكيف تُعَيِّن السلطة التنفيذية إداراتِ وقياداتِ تلك المؤسسات ثم يُطلبُ إليها مُراقبة السلطة التنفيذية ، فإنه يَلزم نقل تَبَعية تِلك المُؤسسات الى مَجلسِ النواب لِتحقيقِ الشفافية . أمّا البنك المركزى فإن إختصاصاته طِبقاً لِمَا حددتها المادة (220) لا تَدَخُّلَ له فى أعمالِ الرقابة على السلطة التنفيذية ، فَهو يُمكن وصفه بِأنّهُ مُكَوِّن مِن مُكَوِنَات السلطة التنفيذية ، وهو يَخدم سِياساتها المالية والنقدية ، وأنّ مَنحُهُ الإستقلال وهو تَابعٌ للسلطةِ التنفيذية يَقع فى مَصلحةِ كلٍ من الشعب والسُّلطة التنفيذية .