Monday, December 26, 2016

ليسَ فقط دفاعًا عن اللغةِ العربيةِ بل أيضًا عن أجيالٍ قادمة

ليسَ فقط دفاعًا عن اللغةِ العربيةِ
                                                بل أيضًا عن أجيالٍ قادمة
كانَ أغلبُ ظَنى أنَّ اللغةَ العربيةَ أضحت بِلا مُدافعٍ عنها ولا رَاغبٍ فى دراستِها ولا مُحترِمٍ لقواعِدها حتى شَاهدتُ قناةِ " النهار اليوم " فى حلقةِ " دائرة الضوء " المذاعة فى الثلاثين من نوفمبر حيثُ استضاف فيها البرنامج الدكتورة / تغريد عنبر ؛ وعلى الرغمِ من أنَّ البرنامج أفردَ لها وقتًا قصيرًا غير أنَّها ألَمَّت – على ما أظنُّ - بمعظمِ أطرفِ الموضوع .
وكنتُ قد كتبتُ فى نهايةِ مُقدِّمةِ أحد مؤلفاتى " وأخيرًا ، وقد سَائَنى كثيرًا ما ألمَّ باللغةِ العربيةِ منْ إهمالِ هذا الجيلِ لأُصولِها العَريقةِ وقَواعِدِها الراسِخَةِ ، وقد قَلَّ عددُ سَدَنَتِها - حتى بَينَ مُعَلِّميها - ، لِذلك فقد رأيتُ أنْ أُعنَى بلغةِ الكتابةِ ، وأنْ أشَكِّلَهَا تَشكيلًا عربيًا صحيحًا ، آملًا أنْ يحتذىَ العديدُ منَ الكتَّابِ بهذا النَهجِ المَحمودِ إعلاءً لِلُغَتِنَا الجميلة ، وحتى نُعيدَ ضبطَ إيقاعِ اللغةِ العربيةِ على أذنِ جيلٍ أصبحَ على وشكِ استبدالِها بلغةٍ جديدةٍ مجتزَئَةٍ من اللغةِ العربية ؛ وأيضًا وبنفسِ القدرِ تأكيدًا لِمعانى الكلماتِ حتى تُؤخَذَ بِمقصدِها . ولا يظنَّن أحدُكم أنَّ ذلك كانَ هدفًا ميسورًا ، فقد استعنتُ بالكتابِ وبالمعلمِ وبالمراجعاتِ المتتاليةِ ، فكانا لى خيرَ العونِ والصديق . " طامعًا فى أنْ أَضمَّ صَوتى إلى المجتمعِ الصغيرِ الذى اتخذَ منَ الدفاعِ عن العربيةِ سبيلًا .
تتعلمُ الأممُ من تاريخِها لِتصوِّبَ خُطاها ، وقد فقدنا سابقًا حضارةً كاملةً بِانقراضِ اللغةِ الفرعونيةِ لولا محاولاتِ الدكتورة وأمثالِها من الأجانبِ والمصريينَ لجمعِ شتاتِ أخبارِ لغتِهم . فهل نتركُ لغتَنا لتتبدَّلَ حتى تُمنَعَ أجيالُنا القادِمة من الاستفادةِ مما اقترفناهُ من أخطاءٍ ومما أتينا بهِ من صالحِ الأعمال ؟ فإنَّ اللغةَ هى أداةُ نقلِ الحكمةِ من جيلٍ إلى آخر حتى يُرتِّبَ النتائجَ التى وصلَ إليها السابقونَ على المقدماتِ التى أدت إلى تلكَ النتائج .
أما عن موضوعِ الحلقةِ فإنَّ ما ذَكرَتْهُ الدكتورة من تغييرِ مُسمياتِ الإعرابِ أو تقسيمِ الأفعالِ بدلًا من وزنِها فإنَّ مما لا شكَّ فيهِ أنَّهُ من المسموحاتِ ، فلا توجد قاعدة مقدسة ، وقد حدثَ ذلك سابقًا ، فما تعلم بهِ جيلُنا تَعلَّمَ الجيلُ التالى لنا بما هوَ أيسرُ على الطالبِ رغمَ تضخُّمِهِ بالقواعد . ويجبُ ألَّا ننسى قولَ عميدِ الأدبِ العربىِّ طهَ حُسيْن حين شَبَّهَ اللغة العربية بكائنٍ حىٍ فقال " وهى ملكُنا ولنَا أنْ نُعدِّلَ فيها أو أنْ نُضيفَ إليها " ولكنَّ أغلبَ ظنى أنْ لو كانَ قد عاشَ ما نَعيشُهُ اليومَ من اجتزاءِ اللغةِ لكانَ قد وضعَ شروطًا للتعديلِ بحيثُ نَحتفظ باللغةِ العربيةِ لابنائِنا كَريمةً مرفوعة الهامةِ كأشمِّ الجبالِ بين لغاتِ العالمِ كما سلمَّها لنا سلفُنا .
أمَّا قولُ الدكتورة عن وجوبِ اهتمامِ الدولةِ باللغةِ فإنَّ هذا حُلمٌ لنْ يتحقق حتى يَقومَ المجتمعُ الأهلىُّ المدنىُّ بِدورِهِ من خلالِ التنظيماتِ الحاليةِ مثل مَجْمَعِ اللغةِ العربيةِ - الذى ترأسَهُ العمالقةُ - واتحادِ الكُتَّابِ الذى ما انفكَّ أعضاؤُه يحافظونَ على خِلافاتِهم حتى باتوا أسوءَ من حُكامِ الدولِ العربيةِ فى تَشَرذُمِهم .
ولكن لا يفوتُنى أنْ اذكرَ ما قَدمَّهُ مُقدمُ البرنامج – ولم تعارضْهُ فيه الدكتورة – فى تَرحيلِ دِراسةِ النحوِ بتعقيداتِهِ إلى المدرسةِ الإعداديةِ - على سندٍ من قولهِ - تيسيرًا على الطلاب ، وإدراكًا مِنهُ بأنَّهم لا يحتاجُونَهُ ، فإنَّ هذا الفعلُ خائبٌ بذاتهِ ومُضرٌ فى نتائجهِ ومضرٌ فى أثرهِ ، فإنَّ الطالبَ فى المرحلةِ الاعدادية يكونُ فى المرحلةِ السنيةِ ثلاثَ عشرةِ ربما إلى السادسة عشرةِ ، بينما كانَ نبوغُ أميرَ الشعراءِ - وقد التحقَ بكليةِ الحقوقِ فى الخامسةِ عشرَ - قد بَدا عبقريا فى قرضِ الشعرِ بعد عامٍ واحد ؛ كما تُوِّجَ أمادايوس موتزارت أميرًا للموسيقى الكلاسيكيةِ فى عمرِ الزهورِ وتُوفى - بعد أنْ صاغَ كنوزًا تَنعمُ بها الأدميةُ - فى الخامِسةِ والثلاثينَ من عمرهِ ، مثلُهُ كَمثلِ موسيقارنا سيد درويش . فهل لنا أنْ نُعجِّلَ بتعليمِ أبنائنا حتى يقتدوا بسيرِ الأولينَ نبوغًا وعبقريةً ، ولا علينا فإنَّ الخالقَ - عزَّ وجلَّ - قد أهَّلَهُم من عندِه بما يلزمُ لذلكَ .
أما ما قالتهُ الدكتورة عن تعليمِ مبادئِ قَبُولِ الرأىِ والرأىِ الأخرِ ، فإنَّها بقولٍ بسيطٍ ، وفى أربعِ كلماتٍ صغارٍ لَمِستْ بِهم أصلَ الموضوعِ الذى يعيق تقدم مصر؛ فوالذى نفسى بيدهِ لا ينصلح حالُ مصرَ حتى يقبلَ الفردُ آخرًا أفنى حياتَهُ فى الدفاعِ عن أمرٍ أمضى هو حياتَهُ فى الدفاعِ عن عكسِه .

Tuesday, September 27, 2016

القطاعُ العام الحائرة ملكيته

القطاعُ العام الحائرة ملكيته

حولَ قرارِ وزيرةِ الاستثمارِ بطرحِ عددٍ من شركاتِ القطاعِ العامِّ بالبورصةِ المصريةِ والعالميةِ لأهدافٍ بعينِها حددتها الوزيرةُ طبقًا لما نشرتهُ جريدةُ الأهرامِ فى عددِها الصادرِ فى العاشرِ من أغسطس وما تلاهَا من تصريحاتٍ ، ويمكنُ إيجازها فى الآتى :-
1-                ضخُ رؤوسِ أموالٍ جديدة .
2-                تنشيطُ البورصةِ المصرية .
3-                توفيرُ سيولةٍ دولاريةٍ للدولة .
وبَيَّنتْ أنَّ هذا القرار ليس لهُ علاقة بالخصخصة وليس وجهًا آخرًا لها لأنَّ الدولةَ ستواصلُ الاحتفاظِ بحصةٍ حاكمةٍ لن تقلْ عن 51% .
أولًا : تجدرُ الإشارة إلى أنَّ المشكلةَ فى شركاتِ القطاعِ العام ليست فى شخصيةِ المالكِ لها أفرادًا كانوا أو هيئاتٍ أو وزاراتٍ وأنما  تقع المشكلة فى إدارةِ تلكَ الشركات - فهى التى تسببُ خسائرِها أو أرباحِها - وأنَّ تغييرَ الملكيةِ لبعضِ الأسهمِ لن يكونَ سببًا - فى حدِّ ذاتِه - فى ارتفاعِ مستوى أدائِها .
ثانيًا : حددت الوزيرةُ أنَّ الطرحَ سيتمُّ على ثلاثةِ مراحلَ حيثُ تقع المرحلة الأولى فى ديسمبر وستكون للأفراد بطرحِها فى البورصةِ المصرية ، وهذا يعنى تحديدًا أنهُ سيتم التداول عليها على شاشاتِ البورصةِ المصرية وهو ما قد يفيدُ ما قصدت فى هدفِها الأول ؛ إلَّا أنَّ الطرحَ فى المرحلةِ التاليةِ فى البورصاتِ الدوليةِ - فى هذه الحالة - سَيؤثرُ سلبًا على أسعارِ تلك الأسهم - على أرجحِ القول - بِسببانِ : الأولُ هو زيادةُ المعروضِ منَ الأسهمِ قبلَ أنْ تُحَسِّنَ الشركة المطروحةِ أسهُمِها من أعمالِ نشاطِها ، وهو ما قد يفقد ثقةَ المستثمرِ المصرى -  خاصةً من أشترى هذهِ الأسهم - وأنَّهُ فى هذه الحالةِ يكونُ الأفضلُ أنْ يكونَ الطرحُ شاملًا حتى تتساوى الأطراف .
ثالثًا : الهدفُ الثانى - وهو تنشيطُ البورصةِ المصريةِ - فإنَّ هذا يعتمدُ أساسًا ليسَ على تغييرِ شخصيةِ مالكِ الأسهمِ إنما يعتمدُ على حسنِ أداءِ الشركاتِ اقتصاديًا ، وهو الأمرُ الذى تدهور قليلًا فى الخمس أعوامٍ السابقةِ للثورةِ ، وتدهورَ كثيرًا بعدَ الثورة .
وأسبابُ ذلكَ واضحةً وسبقَ أنْ صَرَّحتْ الحكومةُ - مرارًا وتكرارًا - بأنَّها بصددِ إزالةِ مُعوقاتِ الاستثمارِ ، دونَ أنْ يَحدُثَ تغييرٌ جَذرِى .
رابعًا : الهدفُ الثالثُ وهو تَوفيرُ سُيولةٍ دُولاريةٍ للدولةِ - وهو أخطَرُ الأسبابِ جميعًا - فإن ما أوردهُ الأهرام على لسانِ الوزيرةِ " أنَّ المستفيدَ الأول منَ الطرحِ سيكون وزارةَ الماليةِ "؛ ولذا تحتم عَلىَّ هنا أنْ أُذَكِّرَ بموضوعِ طرح 20% منْ أسهُمِ المصريةِ للاتصالاتِ السابقِ طرحه والذى حددتْ فيهِ الحكومةُ سعرَ الطرحِ بمبلغ 14.80 جنيه منذُ عشرِ سنواتٍ ، والسهمُ ما زالَ حتى يومِنا هذا لمْ يتخطَ سِعرهُ قيمة هذا الطرح ، حيث يتراوح سعره الحالى بحوالى 9 جنيهات ، ويَتَحتم عَلىَّ أيضًا أنْ أُنوِّهَ إلى أن قيمةَ الطرحِ - وكانت تقاربُ الخمسةَ ملياراتٍ من الجنيهات - دخلت وزارةَ المالية ، وانتهتْ إلى تَمويلِ الدعمِ والعجزِ فى ميزانيةِ الحكومة ، ما أصبحَ مَثلُهُ كمثلِ من باعَ أُصولَهُ لِيأكلَ بثمنها ، وهو عكسُ فكرةِ الاستثمارِ ، وهو ما لا يسعنا تحمُّل نتائجِهِ ألآن .
إنَّ ما يَجب أنْ تعتمد عليهِ الحكومةُ فى تمويلِ مِيزانياتِها هى أنْ تحصلَ على دخلٍ ثابتِ يزدادُ كلَّ عامٍ من حصيلةِ الضرائبِ والرسومِ الناتجةِ عن أرباحِ تلكَ الشركاتِ بفعلِ نُموها ضمن النمو الاقتصادىِّ للدولة ؛ أما الدخلُ الناتجُ عن بيعِ الأصولِ فهو دخلٌ مؤقتٌ لمرةٍ واحدةٍ من كلِّ بيع ؛ ولكنَّ هذا ليسَ بالهدفِ اليسيرِ تحقيقه ، فللحصولِ عليه يجبُ على الدولةِ أنْ تهمَّ فى إصلاحِ قوانينِ الاستثمارِ بإجابةِ طلباتِ الشركاتِ والمستثمرينَ حتى يستطيعوا تحقيقَ أرباح ، فيفيدُ هذا الإصلاحُ ميزانيةَ الدولةِ بإيرادٍ مستمر .
كما يتعين أيضًا على الحكومة أن تعملَ على استقرارِ أسعارِ الصرفِ للعملاتِ فى سوقٍ حرةٍ مهما تغيرت قيمةُ الجنيه ، فإنَّ ذلكَ سيكونُ أفضلَ منَ الحالةِ الراهنةِ التى تأتى بالربحِ لمن يعملَ فى  الخفاءِ بينما يخسرُ الشريف ، وهو وضعٌ لا يستقيمَ ولا يساعدُ على نموِّ الاقتصادِ مهما كانت الأسبابُ والدواعى .
كما يجبُ الاهتمام بتوسيعِ قاعدةِ المجتمعِ الضريبىِّ للسيطرةِ على الاقتصادِ الموازى الغيرِ رسمى تأسيسًا لمبادئ تكافئ الفرص وإحكام الرقابة على المنتجات .
كما أنَّه من أهمِّ الأمورِ تأثيرًا العملُ جديًا على استقرارِ الأوضاعِ الأمنيةِ بِما يعيدُ السياحة الدولية إلى مصر ، حيثُ أنَّ إيراداتها حاكمة فى السيطرةِ على سعرِ الصرفِ .
الخلاصة :
فى ظلِّ هذا كلِّهِ قد يكون أفضل الحلولِ لهذا الطرح أنْ تراعَى الأمورُ الآتية:-
1-  أنْ يتمَّ الطرحُ مبدئيًا للشركاتِ التى تُحققُ أرباحًا فعلية ، وأنْ يكونَ مقياسُ هذا ما تُورِّده الشركةُ من ضرائبَ متزايدة لسنواتٍ سابقة إلى وزارة المالية علاوةً على توريدِ حصيلةِ أرباحها لوزارة المالية فعلًا .
2-  أنْ تمنعَ الحكومةُ شركاتِ القطاعِ العامِّ عمومًا من بيع أراضيها الغير مستغلة حيث أن تلك الأراضى لازمةً لتطويرِ الشركاتِ بما يستوعبَ العمالة الزائدة لديها .
3-    أنْ تبدأ الوزارةُ فى بيع نسبةٍ من أسهمِ الشركةِ إلى شركاتٍ صناعيةٍ أجنبيةٍ مُتخصصةٍ فى نوعيةِ إنتاجِ الشركةِ ، وأنْ تَبيعَ فى نفس الوقتِ نسبةٍ أُخرى لبنكٍ أو لبنوكٍ مصريةٍ أو أجنبيةٍ من غيرِ بنوكِ القطاع العام . والأهم من ذلك كله أنْ تَنسحِبَ الحكومةُ من إدارة الشركاتِ وأنْ تُسلمها إلى مجلسٍ منَ المساهمينَ يَخضعُ لحسابِ ورقابةِ الجمعيةِ العموميةِ للشركةِ التى سيكون - مبدئيًا ولحينِ استقرارِ أوضاعِها - الغلبة فيها للحكومةِ بحكم ملكيتها لأغلب الأسهم ، بينما تكون الإدارة الفعلية للخبراء الفنيين والماليين فى المجلس ، ثم يلى ذلك طرحُ باقى الأسهم تباعًا للمواطنين .
4- أمَّا بخصوصِ ما جاءَ فى حديثِ الوزيرةِ عن أوضاعِ شركاتِ البترولِ ومديونياتِها ، فهذا موضوعُ مقالاتٍ عديدةٍ قادمةٍ لخطورةِ أثرهِ على كلٍ من ميزانيةِ الدولةِ وثقةِ الشركاتِ الأجنبيةِ فى معاملاتِنا وهو ما يؤثر سلبًا على زيادة الكشوف البتروليةِ فى أرضِ مصرَ ، فإنه من الغير سائغ لدى العامة أن تتمتعَ كلٌّ من السعودية وليبيا بكثيف البترول بينما ينقطع لدينا البترول الآ منَ القليلِ الذى لا يسمن ولا يشبع من جوع .




نظرةٌ عبرَ التاريخِ للحركةِ النسائيةِ المصريةِ والعالميةِ

نظرةٌ عبرَ التاريخِ
للحركةِ النسائيةِ المصريةِ والعالميةِ
          تعتبرُ الحركةُ النسائيةُ المصريةُ من أولياتِ الحركاتِ عبرَ التاريخِ - وقد تكونُ الأولى - فقد رأينا فى التاريخِ الفرعونىِّ مَلِكاتٍ حكمنَ مصرَ فى تلكَ العصورِ . ثم أخذتْ الحركةُ النسائيةُ فى الانكماشِ مع بدايةِ عصرِ سيطرةِ رِجالِ الدينِ على الأحوالِ السياسيةِ للبلادِ المختلفة ، إلى أنْ جاءَ الإسلامُ فمنحَ المرأةَ الكيانَ الاقتصادىَّ المنفصلَ - فيما يُعتبرُ عودةً إلى طَريقِ المُساواةِ الرشيدَةِ بينَ الجنسينِ - والذى مازالت تَمنعهُ بعضُ عُظمياتِ الدولِ - ولم يَنلْ من ذلكَ الرشدِ محاولةَ بعضُ رجالِ الدينِ الإقلالَ من قدرِ المرأةِ فى المجتمع ، فقد استمرت المرأةُ المصريةُ فى نشاطِها حتى تمَّ تشكيلُ أولَ مُنظمةٍ غيرِ حكوميةٍ للنساءِ فى عام 1900.
          وقد شاركت المرأةُ فى مصرَ فى المظاهراتِ خِلالِ ثورةِ 1919 وشاركت فى إلقاءِ الخُطبِ فى الجماعاتِ ، إلَّا أنَّ دستورَ 1923 - الذى نتجَ بعد الثورةِ - لم يمنحْ المرأةَ حقوقًا مَسطورةً  بذاتِها - غيرَ أنَّهُ لم يمنَعها من أىِّ حَقٍ - وذلك على الرغمِ من أنَّ اثنتانِ من المتظاهِراتِ لاقتا مصرَعَهُنَّ رميًا بالرصاصِ أثناءَ مشاركَتِهِنَّ فى أحداثِ الثورةِ .
          وفى سنةِ 1920 تمَّ انتخابُ هدى شعراوى رئيسًا لِلَلجنةِ المركزيةِ للمرأةِ بحزبِ الوفد . ثم تشكل الاتحادُ النسائىُّ العربىُّ بقيادةِ مصرَ فى عام 1924 وتَلى ذلكَ تشكيلُ ثلاثةِ أحزابٍ نسائيةٍ مصريةٍ هى :
-       الحزبُ المِصرىُّ النسائىُّ عام 1925 .
-       الحزبُ النسائىُّ القومىُّ عام 1942 .
-       حزبُ بنتِ النيلِ عام 1949 .
                   ولا يجبُ أن ننسى دورُ الفنِّ المصرىِّ فى نشرِ قضيةِ المساواةِ بين المرأةِ والرجلِ بأعمالٍ عديدةٍ منذ الأربعينيات من القرنِ الماضى بفيلم من إنتاج محمد فوزى إلى السبعينيات من القرن بفيلمٍ لرشدى أباظة .
          وقد قامتْ مظاهراتٌ فى عام 1952 للمطالبةِ بحقوقِ المرأةِ ، إلى أنْ أقرَّ دستورُ 1956 حقَّ المرأةِ فى الانتخابِ .
          وإذا نظرنا إلى الوضعِ الحالىِّ فإنَّ القانونَ رقم 32 لسنة 1964 ولائِحتَهُ التنفيذيةِ الصادرةِ بقرارِ رئيسِ الجمهوريةِ رقم 932 لسنة 1966 هى التى تحكمُ المنظماتِ الأهليةَ - ومنها النسائيةِ - فى البابِ الثانى من القانون .
          إلَّا أنَّ القوانينَ استمرتْ على حالِها من غموضِ رؤيةِ الحكومةِ فى موضوعِ الحركةِ النسائيةِ ، حيث يُشيرُ تقريرُ الأممِ المتحدةِ (مركز الدراسات) ( الغير موثق ) :
 Civil Society and Social Movements ISSN 1020-8178.
حيث قالَ :
" أنَّ تقييدَ الحكومةِ للتمويلِ الأجنبىِّ فيما يَخصُّ الجمعياتِ الأهليةِ أثَّرَ سَلبًا على الحركةِ النسائيةِ المصريةِ - ذلكَ لكونِها أكثرَ الحركاتِ رُشدًا بمنطقةِ الشرقِ الأوسطِ ، وأكثرَها استحقاقًا - من وجهةِ نظرِ الدولِ المُتقدمة - للدعمِ المادىِّ حتى تقومَ بتطويرِ عملِها . ثم استرسلَ التقريرُ فى التعليقِ على فترةِ رئاسةِ الرئيس عبد الناصر بأنَّه بالرغمِ من إعطاءِ دستورُ 1956 - الذى أُقرَّ فى عهدهِ - الحقَّ للمرأةِ فى الانتخابِ ، إلَّا أنَّه استمرَّ فى تقييد المنظماتِ المستقلةِ ، وكانَ تعامُلهُ فى الواقعِ امتدادًا للوضعِ القائمِ لمعاملةِ النساءِ داخِلَ الأسرةِ المصريةِ المُحافِظَةِ . تقرير (Candiyotti 199a  ) ".
          وقد تطورَ الحالُ بعدَ ذلكَ بعقودٍ إلى أنْ أَعطى القانونُ حقوقًا مُستحقةً للمرأةِ من نَاحيةِ عقودِ الزواجِ والطلاقِ ، وحضانَةِ الأطفالِ ، وسرعةِ الفصلِ فى الحقوقِ الماليَّةِ المترتبةِ على الزواجِ والطلاق .
          إلَّا أنَّ الحكومةَ مازالتْ تعرقِلُ أو تُقيدُ الاتحاداتِ النسائيةِ مثلمَا حدثَ فى خريفِ عام 1999 عندما عارضتْ وزارةُ الشئونِ الاجتماعيةِ مبادرةَ نوال السعداوى لإنشاءِ اتحادٍ للنساءِ ، وذلك على الرغمِ من تأييدِ الوزيرةِ (مرفت التلاوى) للسماحِ بإنشائِهِ .
          وعلى الرغمِ من تحديدِ الدساتيرِ التاليةِ فى مصرَ لنسبٍ مُحَدَّدَةٍ لتمثيلِ المرأةِ فى المجالسِ المنتخبة ، إلَّا أنَّ  التحديدَ هو فى الواقعِ مهينٌ للنساءِ ، فإنَّهُ يَدمغُهنَ بأنَّهُنَّ الأقلَّ قدرةً بين الجنسينِ ، وهذا أمرٌ جانبَ الحقَّ والواقعَ ، فإنَّ النساءَ مُساوياتٌ للرجال ، والأجدرُ أنْ يُتركَ الأمرُ للكفَاءَةِ وليسَ بتحديدِ النِسَبِ ؛ فكم رأينَا من نِساءٍ حَكمنَ دولًا عظيمةً مثلَ بريطانيا وألمانيا فى العصر الحديثِ ، كما لا تفوتُنَا ما شَارَكتْ بهِ نساءُ مصرَ منذُ فجرِ التاريخِ حينَ حكمنَ مصرَ فى أكثرِ من مناسبةٍ فى العصرِ الفرعونىِّ والرومانىِّ والإسلامىِّ .
          وقد تجدرُ الإشارةُ إلى أنَّ النظامَ الفرنسىَّ فى تعامُلِهِ مع هذا التحديدِ قد قرَّرَ أنْ يَصرفَ الدعمَ الحكومِىَّ المُخصَّصَ للأحزابِ السياسيةِ طبقًا لِنسبِ تَرشيحِ النساءِ للمقاعدِ النيابيةِ بحيثُ يحصلُ الحزبُ على كاملِ مبلغِ الدعمِ إنْ رشَّحَ نصفَ مرشَّحيةِ منَ بينِ النساءِ . بينما لمْ تأخذْ الدولُ الأنجلو- ساكسونيةُ بأىِّ تحديدٍ .
          بينما أعطتْ الولاياتُ المتحدةُ حقَّ الانتخابِ للنساءِ على درجاتٍ بطريقةِ مشروطَةٍ إلى أنْ أُقرَّ هذا الحقُ بصورةٍ رسميةٍ كاملةٍ فى عام 1920 . وكانتْ دولُ أوروبا قد بدأتْ من نهايةِ القرن التاسعِ عشرْ بمنحِ الحقِّ فى الانتخابِ بطريقةٍ محددةٍ - وليست كاملةٍ - فى فنلندا وأيسلندا والسويد إلى أنْ تَشكَّلَ الاتحادُ الدولىُّ لمعاناةِ النساءِ فى عام 1904 ، وبينما كانت تلك الدول من أولياتِ الدولِ التى منحتْ حقَّ الانتخابِ للمرأةِ ، كانت - على النقيض من ذلك - سويسرا هى آخرُ الدولِ المتقدمةِ إعطاءً لهذا الحقَّ وكانَ ذلك فى عام 1960 .
          ولما كانَ ذلكَ ، وكانَ ما يظهرُ من السابقِ أنَّ مصرَ تُعتبرُ من الدولِ المتقدمةِ فى مجالِ العملِ النسائىِّ ، إلَّا أنَّهُ مازالَ يلزمُنا الكثيرَ من العملِ حتى نَرقى إلى مَصافِ الدولِ العُظمى وذلك على محورَيْنِ رئيسيينِ : أولُهُما أنْ نذكرَ كفاحَ الأولياتِ من أمثالِ هدى شعراوى ونبوية موسى وبنت الشاطئ ودرية صلاح وخصوصًا عزيزة حسين ( حرم أحمد باشا حسين - وزيرُ الشئونِ الاجتماعيةِ الأسبق وسفيرُ مصرَ فى واشنطون ) ، وأنْ نُعلِّمَ شبابَنا من أعمالِهم ؛ والثانى أنْ تَنهضَ نساءُ مصرَ ، بل ورجالُها إلى تشجيعِ العملِ النسائىِّ فى مصرَ ، فكم من بناتنا - وبعدَ حصولِهنَّ على أعلى الدرجاتِ العلميةِ - تَرْكَنَّ إلى دِفئِ المنزلِ تفضيلًا على بُرودةِ العملِ ، وراحةِ البالِ تفضيلًا على التوترِ الذى يصاحبُ العمل ، وأنْ ينهَضْنَ إلى مُواجهةِ التحدياتِ تفضيلًا على الانهزامِ أمَامِها دونَ ما مَعركةٍ هنَّ قادراتٌ على كَسبِها ؛ طلبًا للمساواةِ حتى فى المواريثِ .
          فَهلْ منْ يَنهضَ منَّا لِيبلِّغَ الأُصولَ بأنَّ الفُروعَ قد اقتدتْ بِالسِيَرْ ؟   

Sunday, June 19, 2016

عن إصلاح القطاع العام

عن إصلاح القطاع العام
نشرت الأهرام مقالًا للدكتورة / سلوى العنترى فى 12 يونيو 2016 أوجزه للقارئ قبل أن استرسل فى موضوعِهِ ، حيث قالت عن الاتفاقية المبرمة بين مصر والبنك الدولى  فى نوفمبر 2015 بأن القطاع العام فشل فى الوفاءِ بخلقِ وظائفَ كريمةٍ وفى تقديمِ خدماتٍ عامةٍ جديرةٍ بالمواطنينَ . ثم استرسلت بالتعليقِ على تَوجهِ البنك المركزىِّ لطرحِ 20% من بنكينِ ثم زيادةُ رأسِ مالِهما ، وبالتعليق على توجهِ وزيرةِ الاستثمارِ إلى خطةٍ لبيع حصصٍ من الشركاتِ قيمتها 90 مليار جنيه من خلال طرحها فى البورصة ، ودراسةُ البنكِ المركزىِّ طرحَ حصتهِ فى أحدِ مشروعاتِهِ لمستثمرٍ استراتيجىٍ ، واسترسلت على استهدافِ الحكومةِ أنْ تكون البورصةِ المصريةِ على قمةِ بورصاتِ المنطقةِ ، وعَلّقَت على تمسك وزيرِ قطاعِ الأعمالِ بأنهُ لا توجد أى نيه لبيع أو تصفيةِ المشروعاتِ العامة خاصةً الشركات الرابحة .
والمقال فى حد ذاتِه لم يضف إلى معلومات القارئ - حيث أنها معلومات متداولة منذ سنواتٍ عديدة - إلى أن وصلت إلى نهايتهِ التى أظهرت عدم موافقتها على تلك الترتيبات السابق ذكرها .
فى الواقع أنَّ شركات القطاع العام أصبحت غيرَ قادرةٍ على الوفاءِ بالتزاماتها سواءً لعملائِها أو للبنوكِ أو للعمال ، فأحوالُها الماليةِ مترديةٌ للغاية .
ويجبُ أنْ نعلم أنْ لا صلاح للاقتصادِ المصرىِّ بدون إصلاحٍ للقطاعِ العام ، فإنَّ النمو الحقيقىَّ للاقتصادِ ينتجُ عن أرباحِ الشركاتِ عامةٍ كانت أم خاصة .
ولما كان المقال قد يبينَ أن القطاع العام يُسهم بما لا يقل عن 34% من الناتج المحلىِّ - وإن كُنتُ أظنُهُ أصبحَ الآنَ يتجاوزُ هذا الرقم - ليس فضلًا منَ القطاعِ العام بل انتكاسًا لدور القطاع الخاص - فإنَّ من المهمِّ أنْ نحدِّدَ أسبابَ انتكاسِ القطاعينِ العامِّ والخاص . فأما القطاع الخاص فأسبابهُ المعروفة أهمها ضعف قوانين الاستثمار الحالية عن النهوض إلى مستوى جذب الاستثمارات الداخلية والخارجية ، وارتفاع سعر الفائدة ، والبيروقراطية المسيطرة على الأجهزة الحكومية . أما القطاع العام فقد تحدثَ الكثيرون عن تلك الأسباب التى منها قِدمُ المعداتِ ، ضعفُ التمويلِ ، قلةُ الخبرةِ الفنيةِ ، ضعفُ مستوى العاملِ مهنيًا ، وكلُّ ذلكَ يُظلهُ مظلةُ الفساد .
وقد يلزمُ لتحليلِ كلِّ سببٍ منها مقالًا - بل كتابًا لحالهِ - ألا أنَّ كل ذلك يندرجُ تحت بندٍ واحدٍ هو : إدارةٌ لا قِبلَ لها على إدارة الشركة ، إدارةُ عديمةُ الرؤيةِ ، قليلةُ الفكرِ ، سلبيةُ الحيلةِ .
فإذا خلصنا إلى ذلك فإنَّ خصخصةَ الشركةِ أو طرحَ أسهُمِها فى البورصةِ لن يُجدِ قبلَ تغيير الإدارة .
ومنِ الجديرِ بالذكرِ أنَّهُ عندَ تأميمِ هذهِ الشركاتِ فى بدايةِ الستينياتِ منَ القرنِ الماضى فإنَّ الإداراتِ التى سبقت التأميمَ استمرت بَعدهُ فى مُعظمِها وأنَّ تلكَ الشركاتِ استمرت فى تحقيق ربحٍ أخذَ فى الانحسارِ مع تغييرِ إدارةٍ تِلوَ الأُخرى حتى وصلنا إلى الوضعِ الحالىِّ.
ولكن كيفَ نختارُ إدارةٍ رشيدةٍ تحقِّقُ الأرباحَ المرجوةَ ؟ الثابتُ من خلالِ التجربةِ أنَّ قيامَ الحكومةِ بتعيينِ الإدارةِ لم يُؤتِ بالخيرِ المرجوِّ ، فإذًا ما هوَ السبيلُ ؟
لا يتبقى أمامنا سوى طريق واحد هو طرحُ نسبةٍ من أسهمِ كلِّ شركةٍ تدريجيًا وبقدرٍ مناسبٍ على شاشاتِ البورصةِ ، وأنْ تنسحبَ الحكومةُ من تعيينِ الإدارةِ وأنْ تتركَ ذلكَ للجمعياتِ العموميةِ للشركاتِ مع احتفاظِ الحكومةِ بحقِّ الاعتراضِ على مجلسِ الإدارةِ أو عضوٍ منهُ أو قرارٍ اتخذهُ المجلسُ وأن يستمرَّ ذلكَ طالمَا كانَ للحكومةِ أغلبيةُ الأسهمِ .
وفى هذه الحالةِ فإنَّ تلك الإداراتِ ستقومُ بنفسِها - باعتبارها مالكًا للشركةِ - بتدريبِ العمالةِ وتدبيرِ التمويلِ لتجديدِ المعداتِ وتنشيطِ المبيعاتِ من خلالِ تحسينِ الجودةِ وصولًا إلى التصدير . وفى هذه الحالةِ تربحُ الحكومةُ ربحًا مضاعفًا أضعافًا كثيرةٍ من ناتجِ عوائدِ أسهُمها أولا ، ثم من ناتجِ ضرائبِ أعمالِ الشركاتِ ، والأهمُّ من ذلكَ كله هو خلقُ الوظائفِ الجديدةِ التى يتمناها شبابُ هذا الوطن .
ومن البديهي أن طرح مجموعة من الأسهم على شاشات البورصة لا يجب أن يتم قبل إجراء تقييم للقيمة الحالية لكل شركة، ولا يجب أن نخشى من جراء التقييم المرتفع أو المنخفض لقيمة أسهم الشركة طالما أن البيع لن يتم على صفقة واحدة فتتم في الحجرات المغلقة فإن شاشة البورصة ستتولى تعديل السعر بمجرد طرحها ارتفاعاً أو انخفاضاً بصفة يومية.


Saturday, April 9, 2016

هل من علاقةٍ لمصرَ بالانتخاباتِ الأمريكيةِ

هل من علاقةٍ لمصرَ بالانتخاباتِ الأمريكيةِ
      الحملة الانتخابية الأمريكية التى تدورُ رُحاها منذ ما يجاوزُ ثمانيةَ أشهرٍ، وقد بدأت بعددٍ كبيرٍ من المرشحينَ للحزبِ الجمهورىِّ ولكن ما لبثت أنْ انحسرت فى تسعةِ مرشحين ثم أخذت فى الانكماش حتى استقرت على ثلاثةِ مرشحين وذلك فى مقابل مرشحةٍ ومرشحٍ للحزب الديمقراطى.
      وقد يظن أحدكم أنْ لا علاقةَ لمصرَ بهذه الحملة، فالذائع قولًا بأن الشأنَ الداخلىَّ لدولةٍ ما لا يَخُصْ، أو لا يشكلْ أهميةً، أو لا تأثيرَ لهُ على دولةٍ أخرى. ولكن الواقعَ يُثبتُ عكسَ ذلك.
      يجبُ علينا أنْ نُقرَّ مبدئيًا بأنَّ رئيسَ الدولةِ المنتخبِ إنما يُنتخبُ أساسًا على أيديولوجيةٍ أو رؤيتةٍ محددة ، تلك التى تُحدِّدُ مكانًا يريدُ أنْ ينقلَ إليهِ الأمةَ فى مدةِ رئاسته، أما باقى وظائفِ الدولةِ فتعتمد على خبراءٍ فى مجالاتٍ مختلفةٍ ، والهدفُ منها هو مُساعدةُ صاحبِ الرؤيةِ على تحقيقِ هدفهِ بإعمالِ خبرتِهم كلٌّ فى مَجاله.
      من هنا يتضحُ مدى أهمية تحليلِ أيديولوجيةِ كل مرشحٍ لمعرفةِ  توجُّهِهِ الذى - تأكيدًا - سيؤثرُ على سياسةِ بَلدهِ فى الفترةِ المُقبلة.
      وقد يحدِّثُنا أحدهم بسؤالٍ هامِّ : هو كيفَ نستطيعُ التأثيرَ على ناخبِ دولةٍ أُخرى لينتخبَ من نُريدهُ ؟ فى الواقعِ أنَّ الإجابةَ هى أننا لا نستطيعُ ذلك؛ ولكن علينا أن نتخذَ إجراءاتٍ داخليةٍ لمنعِ أو لتخفيفِ آثارِ سياساتهِ التى قد تسىءُ إلى اقتصادِنا أو إلى موقفِنا من المجتمعِ الدولىِّ، وأنْ نتخذَ إجراءاتٍ للاستفادةِ من آثار سياساته التى قد تفيدُ فى تقدمِ اقتصادِنا أو وضعِنا من المجتمعِ الدولى.
      فإذا سَحبنا هذهِ القاعدة على المرشحينَ الحاليينَ فإننا قد نجدُ أنَّ أكبرَ الظنِّ أنَّ الرئاسةَ الأمريكيةَ القادمةَ ستنحصرُ فى أحدِ ثلاثةٍ هم ( دونالد ترامب و تيد كروز و هيلارى كلينتون ).
فأما هيلارى كلينتون فإنَّ احتمالاتِ نجاحها تنعقدُ على قدر استمرارِ الحزبِ الجمهورىِّ فى محاربةِ ترامب وكروز - المتقدمون شعبيًا - بمحاولةِ ترشيحِ شخصيةٍ ثالثةٍ فى المؤتمرِ العام للحزب.
      فأمَّا ترامب وكروز وهما ليْسا مرشحى إدارةِ الحزبِ الجمهورى الذى ماانفك يحاربهم - بعد سقوط مرشحيهم بوش وروبيو - لترشيح من سواهما فى المؤتمر العام للحزب - وهو ما تسمح به لوائح الحزب فى حالةِ عدم حصولِ أحدهم على الأغلبية المطلقةِ للمندوبين؛ ففى هذه الحالةِ ترتفع أسهمُ فوزِ كلينتون بالانتخاباتِ العامة.
      وقد علمنا بسياساتِ هيلارى قِبَل مصرَ أثناءَ توليها وزارةَ الخارجيةِ الأمريكيةِ - خاصةً تأييدها للإخوان - وهى السياساتِ التى أشاعتْ الفوضى فى العراقِ وسوريا وليبيا خصوصًا. ففى هذه الحالةِ فإنه يجبُ علينا أنْ نعملَ على رفعِ مستوى تفاهُمِنا مع الدولِ الأوروبيةِ - لموازنةِ القوى - وأن نبينَ عيوب تدخُّلِ الغربِ فى الأوضاعِ الداخليةِ للشرق الأوسط فى محاولةٍ لنقومَ جميعًا بكبحِ جماحِ الإدارة الأمريكيةِ فى التدخل فى شئوننا وهو هدفٌ دبلوماسىٌ يجبُ أنْ نجمعَ لهُ كلُّ لبيبٍ شديدِ الدهاءِ لنحققهُ.
      أما فى حالةِ فوزِ ترامب فإنه يجبُ علينا أنْ ندركَ أنَّ ترامب هو الوحيدُ بين المرشحينَ الذى أيَّدَ حربُ مصرَ ضدَّ الإرهابِ فى سيناء بل وأشادَ بها ، وهو أيضًا الوحيدُ الذى أبدى استعدادَه للدخولِ فى مفاوضاتٍ لحلِّ المشكلةِ الفلسطينيةِ، وهى قضيةٌ لها تأثيرٌ كبيرٌ على عدم الاستقرارِ الذى تعيش فيه المنطقة، وأنَّ حلَّ الدولتينِ الذى أيدتهُ الإدارات الأمريكية المختلفة منذ عقودٍ سيأتى بالهدوءِ المنشودِ للمنطقة ؛ فإنهُ يجبُ علينا فى هذه الحالةِ إنْ نشجِّعهُ أولاً على تخفيفِ قيودِ هيئاتِ التمويلِ الدوليةِ قِبلَ مصر تشجيعًا للاستثمارِ فيها ، وأنْ يتواكب ذلك مع إجراءاتٍ جديةٍ داخليًا لرفعِ معاناةِ المستثمرينَ. وعلى الصعيد الآخرِ المساعدة فى تهيئةِ جوٍّ مناسبٍ - بما لنا من اتصالات  بالفرقاء الفلسطينيين - للوصلِ إلى حلٍّ للمشكلة.
      أما كروز فإنَّ اهتمامَهُ بالشرقِ الأوسطِ قليلٌ  وهو، فى حالةِ فوزهِ فإنَّ دورَ مجلسُ الشيوخِ والنوابِ الأمريكى سينمو فى فترةِ رئاستِهِ لارتباطهِ الشديد بمجلس الشيوخ. وَرِأىُ تلكَ المجالسِ فى أغلبِ الأحيانِ لا يتفقْ مع صالحِ مصرَ المعلن ، فيجبُ أن نعتنى بقدرٍ أكبر ببيانِ وشرحِ سياساتِنا إلى المجلسين ، ويكونُ فى هذه الحالةِ اختيارُ السفيرِ المصرىُّ لأمريكا هو مربطُ الفرسِ إذ يقع عليهِ أكبرَ العبىءِ.

      وقد يتضحُ للقارئِ هنا أنَّ أفضلَ المرشحينَ لمصرَ هو ترامب ، وذلك على الرغمِ من الهجوم الذى تقودُهُ وسائلُ الأعلامِ المصرى عليهِ ، ولكن هل تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن .