القطاعُ العام الحائرة
ملكيته
حولَ قرارِ وزيرةِ الاستثمارِ بطرحِ عددٍ من شركاتِ
القطاعِ العامِّ بالبورصةِ المصريةِ والعالميةِ لأهدافٍ بعينِها حددتها الوزيرةُ
طبقًا لما نشرتهُ جريدةُ الأهرامِ فى عددِها الصادرِ فى العاشرِ من أغسطس وما تلاهَا
من تصريحاتٍ ، ويمكنُ إيجازها فى الآتى :-
1-
ضخُ رؤوسِ أموالٍ جديدة .
2-
تنشيطُ البورصةِ المصرية .
3-
توفيرُ سيولةٍ دولاريةٍ للدولة .
وبَيَّنتْ أنَّ هذا
القرار ليس لهُ علاقة بالخصخصة وليس وجهًا آخرًا لها لأنَّ الدولةَ ستواصلُ
الاحتفاظِ بحصةٍ حاكمةٍ لن تقلْ عن 51% .
أولًا : تجدرُ الإشارة إلى أنَّ المشكلةَ فى شركاتِ
القطاعِ العام ليست فى شخصيةِ المالكِ لها أفرادًا كانوا أو هيئاتٍ أو وزاراتٍ وأنما
تقع المشكلة فى إدارةِ تلكَ الشركات - فهى
التى تسببُ خسائرِها أو أرباحِها - وأنَّ تغييرَ الملكيةِ لبعضِ الأسهمِ لن يكونَ
سببًا - فى حدِّ ذاتِه - فى ارتفاعِ مستوى أدائِها .
ثانيًا : حددت الوزيرةُ أنَّ الطرحَ سيتمُّ على ثلاثةِ مراحلَ
حيثُ تقع المرحلة الأولى فى ديسمبر وستكون للأفراد بطرحِها فى البورصةِ المصرية ،
وهذا يعنى تحديدًا أنهُ سيتم التداول عليها على شاشاتِ البورصةِ المصرية وهو ما قد
يفيدُ ما قصدت فى هدفِها الأول ؛ إلَّا أنَّ الطرحَ فى المرحلةِ التاليةِ فى
البورصاتِ الدوليةِ - فى هذه الحالة - سَيؤثرُ سلبًا على أسعارِ تلك الأسهم - على
أرجحِ القول - بِسببانِ : الأولُ هو زيادةُ المعروضِ منَ الأسهمِ قبلَ أنْ تُحَسِّنَ
الشركة المطروحةِ أسهُمِها من أعمالِ نشاطِها ، وهو ما قد يفقد ثقةَ المستثمرِ
المصرى - خاصةً من أشترى هذهِ الأسهم -
وأنَّهُ فى هذه الحالةِ يكونُ الأفضلُ أنْ يكونَ الطرحُ شاملًا حتى تتساوى الأطراف
.
ثالثًا : الهدفُ الثانى - وهو تنشيطُ البورصةِ المصريةِ
- فإنَّ هذا يعتمدُ أساسًا ليسَ على تغييرِ شخصيةِ مالكِ الأسهمِ إنما يعتمدُ على
حسنِ أداءِ الشركاتِ اقتصاديًا ، وهو الأمرُ الذى تدهور قليلًا فى الخمس أعوامٍ السابقةِ
للثورةِ ، وتدهورَ كثيرًا بعدَ الثورة .
وأسبابُ ذلكَ واضحةً وسبقَ أنْ صَرَّحتْ الحكومةُ - مرارًا
وتكرارًا - بأنَّها بصددِ إزالةِ مُعوقاتِ الاستثمارِ ، دونَ أنْ يَحدُثَ تغييرٌ جَذرِى
.
رابعًا : الهدفُ الثالثُ وهو تَوفيرُ سُيولةٍ دُولاريةٍ
للدولةِ - وهو أخطَرُ الأسبابِ جميعًا - فإن ما أوردهُ الأهرام على لسانِ الوزيرةِ
" أنَّ المستفيدَ الأول منَ الطرحِ سيكون وزارةَ الماليةِ "؛ ولذا تحتم
عَلىَّ هنا أنْ أُذَكِّرَ بموضوعِ طرح 20% منْ أسهُمِ المصريةِ للاتصالاتِ السابقِ
طرحه والذى حددتْ فيهِ الحكومةُ سعرَ الطرحِ بمبلغ 14.80 جنيه منذُ عشرِ سنواتٍ ، والسهمُ
ما زالَ حتى يومِنا هذا لمْ يتخطَ سِعرهُ قيمة هذا الطرح ، حيث يتراوح سعره الحالى
بحوالى 9 جنيهات ، ويَتَحتم عَلىَّ أيضًا أنْ أُنوِّهَ إلى أن قيمةَ الطرحِ - وكانت
تقاربُ الخمسةَ ملياراتٍ من الجنيهات - دخلت وزارةَ المالية ، وانتهتْ إلى تَمويلِ
الدعمِ والعجزِ فى ميزانيةِ الحكومة ، ما أصبحَ مَثلُهُ كمثلِ من باعَ أُصولَهُ لِيأكلَ
بثمنها ، وهو عكسُ فكرةِ الاستثمارِ ، وهو ما لا يسعنا تحمُّل نتائجِهِ ألآن .
إنَّ ما يَجب أنْ تعتمد عليهِ الحكومةُ فى تمويلِ مِيزانياتِها
هى أنْ تحصلَ على دخلٍ ثابتِ يزدادُ كلَّ عامٍ من حصيلةِ الضرائبِ والرسومِ
الناتجةِ عن أرباحِ تلكَ الشركاتِ بفعلِ نُموها ضمن النمو الاقتصادىِّ للدولة ؛
أما الدخلُ الناتجُ عن بيعِ الأصولِ فهو دخلٌ مؤقتٌ لمرةٍ واحدةٍ من كلِّ بيع ؛ ولكنَّ
هذا ليسَ بالهدفِ اليسيرِ تحقيقه ، فللحصولِ عليه يجبُ على الدولةِ أنْ تهمَّ فى
إصلاحِ قوانينِ الاستثمارِ بإجابةِ طلباتِ الشركاتِ والمستثمرينَ حتى يستطيعوا
تحقيقَ أرباح ، فيفيدُ هذا الإصلاحُ ميزانيةَ الدولةِ بإيرادٍ مستمر .
كما يتعين أيضًا على الحكومة أن تعملَ على استقرارِ
أسعارِ الصرفِ للعملاتِ فى سوقٍ حرةٍ مهما تغيرت قيمةُ الجنيه ، فإنَّ ذلكَ سيكونُ
أفضلَ منَ الحالةِ الراهنةِ التى تأتى بالربحِ لمن يعملَ فى الخفاءِ بينما يخسرُ الشريف ، وهو وضعٌ لا
يستقيمَ ولا يساعدُ على نموِّ الاقتصادِ مهما كانت الأسبابُ والدواعى .
كما يجبُ الاهتمام بتوسيعِ قاعدةِ المجتمعِ الضريبىِّ
للسيطرةِ على الاقتصادِ الموازى الغيرِ رسمى تأسيسًا لمبادئ تكافئ الفرص وإحكام
الرقابة على المنتجات .
كما أنَّه من أهمِّ الأمورِ تأثيرًا العملُ جديًا على
استقرارِ الأوضاعِ الأمنيةِ بِما يعيدُ السياحة الدولية إلى مصر ، حيثُ أنَّ
إيراداتها حاكمة فى السيطرةِ على سعرِ الصرفِ .
الخلاصة :
فى ظلِّ هذا كلِّهِ قد يكون أفضل الحلولِ لهذا الطرح أنْ
تراعَى الأمورُ الآتية:-
1- أنْ يتمَّ الطرحُ مبدئيًا
للشركاتِ التى تُحققُ أرباحًا فعلية ، وأنْ يكونَ مقياسُ هذا ما تُورِّده الشركةُ
من ضرائبَ متزايدة لسنواتٍ سابقة إلى وزارة المالية علاوةً على توريدِ حصيلةِ
أرباحها لوزارة المالية فعلًا .
2- أنْ تمنعَ الحكومةُ
شركاتِ القطاعِ العامِّ عمومًا من بيع أراضيها الغير مستغلة حيث أن تلك الأراضى
لازمةً لتطويرِ الشركاتِ بما يستوعبَ العمالة الزائدة لديها .
3- أنْ تبدأ الوزارةُ فى
بيع نسبةٍ من أسهمِ الشركةِ إلى شركاتٍ صناعيةٍ أجنبيةٍ مُتخصصةٍ فى نوعيةِ إنتاجِ
الشركةِ ، وأنْ تَبيعَ فى نفس الوقتِ نسبةٍ أُخرى لبنكٍ أو لبنوكٍ مصريةٍ أو
أجنبيةٍ من غيرِ بنوكِ القطاع العام . والأهم من ذلك كله أنْ تَنسحِبَ الحكومةُ من
إدارة الشركاتِ وأنْ تُسلمها إلى مجلسٍ منَ المساهمينَ يَخضعُ لحسابِ ورقابةِ
الجمعيةِ العموميةِ للشركةِ التى سيكون - مبدئيًا ولحينِ استقرارِ أوضاعِها - الغلبة
فيها للحكومةِ بحكم ملكيتها لأغلب الأسهم ، بينما تكون الإدارة الفعلية للخبراء
الفنيين والماليين فى المجلس ، ثم يلى ذلك طرحُ باقى الأسهم تباعًا للمواطنين .
4- أمَّا بخصوصِ ما جاءَ فى حديثِ الوزيرةِ عن أوضاعِ شركاتِ
البترولِ ومديونياتِها ، فهذا موضوعُ مقالاتٍ عديدةٍ قادمةٍ لخطورةِ أثرهِ على كلٍ
من ميزانيةِ الدولةِ وثقةِ الشركاتِ الأجنبيةِ فى معاملاتِنا وهو ما يؤثر سلبًا
على زيادة الكشوف البتروليةِ فى أرضِ مصرَ ، فإنه من الغير سائغ لدى العامة أن
تتمتعَ كلٌّ من السعودية وليبيا بكثيف البترول بينما ينقطع لدينا البترول الآ منَ
القليلِ الذى لا يسمن ولا يشبع من جوع .