الذَّكِىُّ مَنْ تَعَلّمَ مِنْ أخطاءِ
الغَيْر ، والأقلُ ذَكَاءً مَن تَعَلمَ مِنْ أخطَائِهِ
أمّا مَن لَمْ تُعلمهُ أخطاؤُهُ فَكانَ
اللهُ فى عَونِهِ
التاريخُ هُو المُعّلِم الأول للآدمية
، كل الشعوب تعلمت بدراستة وأحداثه ، إلا أنّ الدُول إختلفت في قدر إستيعاب الدروسِ
من التاريخ ؛ فبينما تَعلمت بَعضُها بِسرعةٍ ، تأخر البعضُ الآخر في الإستفادةِ مِن
التاريخ وإستيعاب الدروسِ منه .
ولكن
كَيف تَستَوْعب الأمم العِبَر عن التاريخ ، فَمن المُؤكد أنّها لا تَستوعِبها بِطريقةٍ
مُباشرة ، فهى بالتأكيدِ لا تَستَوعبها بِواسطةِ المُواطِنينَ قَليلوا أو مُتَوَسِّطوا التَّعليم ، وقَد تَستوعِب الأُمَم بِواسطةِ
المُتعلمون ، إلا أنّه مِنَ المؤكد أنّ الأُمم تَستوعبُ التاريخ مِن خِلال كتاباتِ
ومُلاحظاتِ الفَلاسِفَةُ والمفكرين . فَبِقدرِ وُجودِ هذهِ الفئة وبِقدرِ إرتفاعِ فكرِها
، وبقدرِ جُهُودِها فى شَرحِ وتَحليلِ الوقائع للشعب ، تَسْتَوعبُ الأمم وتستفيدُ
مِن خِبراتِ الآخرين في وقتٍ أَقل . كما وأنَّ بُعْد تِلك الفِئة عن المُعترك
السياسى هُو الضمان الأول لِحيدَةِ رأيِهَا ، وبُعْدَه عن التأثّرِ بأهوائِها
وأفضلياتِها الشخصية .
أمّا
فى حالةِ خُلو سَاحةَ الوَطن مِن فِئة الفَلاسِفة والمُفكرين ، فإنّ سَاحة الفكرِ
تَزْدَحم بِالسياسيين الذين يُرَوِّجونَ لِتَوجهاتٍ مُختلفة ، فِيما يَبْنى كُل
فريقٍ سياسى تَوجهَاتِه بِناءً عَلى مَا يَظُنُ أنّها تَخدمُ مَصالِح الفريق .
فتصل الأُمّة إلى حَالةٍ من الجُمود الفِكرى .
ولكنّ
الثابت من التاريخ أن هذا الأُسلوب لم يَخْدِم الوطن ، فضلاً عن أنّه لم يَخدم التّيار
السياسى الذى سَارَتْ الأُمة على تَوجهاتِه التى نَقلَها لهم .
في
هذا الوضع من الجمودِ والتَحجرِ الفِكرى وضَعَتْ مِصرُ نَفسها في هذه الفَترة .
فيمكن القول بأنّ مِصر في فَترةٍ إنتقاليةٍ إستمرت من فبراير 2011 حتى اليوم .
الفترة
الإنتقالية مِن طَبيعتِها أنّها لا تِتْسِعُ لأىِ أفكارٍ إصلاحية ، فَهِى تَبقى إمتداداً
للفَتْرَةِ التى تَسْبِقُها ، فَلا تَوجه واضح لِلإدارةِ خَاصةً في المَسَائِلِ الإقتصاديةِ
الشائكة ، لا يُوجَد مُتخِذٌ لِقرار ، ألخوفُ هو طَبيعَةُ المسئولينَ في هذه
الفترة ، وهو أمرٌ طبيعى فإنّ الأُمة لم تُحَمِّلُهم مسئولِيةَ الإصلاح ولن تحاسبهم
عليه ، فمسئولية الإصلاح لا تَأْتى إلا عن طَريق إدارةٍ منتخبةٍ . فهل يمكن أن
تستمرَّ سِياساتِ الأُمة إمتداداً لِلفترةِ السّابقة وأن نتوقعَ نَتائجَ مُختلفة .
فَانّهُ
في خِضَمِ المَطالبِ مِنْ كِتابة دُستورٍ إلى إختيارِ نِظامٍ إنتخابى إلى إقرارِ
الأمْن إلى إنقاذِ الإقتصادِ إلى تَطويرِ حياةِ النّاس ، فإننا يَجبُ علينا أنْ نُحددَ
الأولويات . فَيطفو عَلى السطح مُباشرةً أنّ الأولوية هِى إصلاح حَياةِ الناس وإنقاذ
الأقتصاد من الإقتراض الذى لا يَصْلُح أن يَسْتَمرَ مَنهَجا للدولة .
ولكنّ
الإقتصاد لا يُمكن اصلاحه بِواسطةِ ادارةٍ إنتقالية ، واستمرارِ حَالة التردى الإقتصادى
ستأتى بِحالةٍ مِن الفوضى لا مَحالة ، وتؤهلُ لَثورةٍ أخرى ، وتُؤهل مرة أخرى
لأغلبيةٍ يَحصلَ عليها التيارُ الدينى .
إنّ
الأمة تستطيع أن تَتَقدم بِدستورٍ ضعيف إذا كانَ هُناك إدارةً جيدةً رَشيدة ، بَينما
لا يُمكن أنْ تَتقدّمَ الأمةُ بادارةٍ سيئةٍ أو ضَعيفة مهما كان فضل دستورها .
وكنت
قد كتبت فى مَراتٍ سابقةٍ أولُها في الأيامِ التالية للثورة في ترتيبِ الأولويات مَا
نَصَّ على الأتى :
الإنتقال الى حُكمٍ مَدَنى
والتالى ماقد يَكون برنامجا
محددا للوصول إلى ديمقراطيةٍ فَعَّالة فيما يُشْبه إعلانا توافقت عليه الأمة .
1.
انتخاب رئيسٍ للجمهورية يترشَّح له من يرغب من الكَافَّة ويَنْجَح صاحبُ
الأغلبية المطلقة للأصوات .
2.
يتحدد فَصْلُ سلطة القضاء عن رئيس الجمهورية .
3.
يتولى الرئيس فَوْرَ انتخابه المهام الآتية بالاضافة لادارة البلاد :
أ- الدعوة لانتخاب مجلس للشورى يَتَرشَّح له الكافة من
الحاصِلين عَلى قدرٍ محدَّدٍ من التعليم العالى ، وتُمَثَّلُ فيه كُلّ محافظةٍ
بعددٍ متساوٍ من النُوَّاب ، وتكون من صَلاحيته إقرار القوانين الضرورية فى الفترة
القادمة والموافَقة على التَعيينات التى يُعينها رئيس الجمهورية .
ب-
الدّعوة لانتخاب مُحافِظين ومَجالس مَحلية للمحافظات لتخاطب آمال المواطنين
.
ت- أَنْ يَتَولَّى فور تَولِّية السلطة العمل على إصلاح
الأحزاب السياسية من خلال المؤتمرات والمباحثات حتى تَحْصُلَ مصر على عَدَدٍ
مُنَاسبٍ من الأحزاب فتكون دعامات النظام الديمقراطى .
ث-
الدعوة لانتخاب مجلس للشعب يقوم على أساس الأحزاب بعد إصلاحها .
ج-
عمل دستور جديد للبلاد يحقق آمال الأمة من خلال المجالس النيابية ، وهيئة
تأسيسية مُنْتَخبة .
4.
أَنْ يتم ذلك كله فى إطار برنامج زَمَنىٍّ مُحَدد يُرَاقب تطبيقَه كل كم
الرئيس ومجلس الشورى والمجلس الأعلى
للقوات المسلحة .
5.
تنتقل الِبلاد للإدارة المدنية .
وليس
سَردى لِما كتبتُ قديماً يَهدِفُ إلى أن نكررُه ، وإنما لنتأمل فى وضعِ مِصر لو
كانت قد أخذت بِه ، فعلى الأقل كُنا سَنحافِظُ على رَصيدِ الإحتياطى الدُولارى بِما
يُغْنِى الأمّة عن الإقتراض ، وإنما قد نَأخُذ بِبَعْضِه الأن بَعد تجربةِ العامان
ونصف ، بأنّ نُعدل بَعضَ البنود ، خَاصّةً ما يُتيح منها للقواتِ المسلحةِ من
مراقبةِ الإدارةِ السياسيةِ المنتخبةِ للبلاد طالما كانت لا تَشَذُّ عن النَامُوس
الطبيعى للإدارة .
كما
يَجب أن نُحدد الأخطاء التى وقَعت فيها الأُمة في الفترة السابقة وهى إنتخاب رئيسٍ
سيىءٍ لم يعمل ما يَجبُ عليه مِن إصلاحِ الإقتصاد ، وأتى بِأعمالٍ سيئةٍ مِنها إقرار
دستورٍ سيىء .
ولا
يَجب أنْ يُثنينا إختيار رئيسٍ سيىء عن تكرارِ المُحاولة لإنتِخابِ رئيسٍ يفى بتطلعاتِ
وآمالِ الأمة .
ولا
تُفيدُ صياغةَ دستورٍ سريعٍ لا تَوافقَ عليه ، ولم يَحظى بِحوارٍ إجتماعى شاملٍ ، ويٌقيِّدُ
سُلطاتِ الرئيس بِشكلٍ مُعوقٍ لِتطبيقِ رُؤيته لِتقدمِ الأمة ، وهو ما يؤهل على
أقل تقدير لإدخالِ الرئاسة فى بيروقراطيةِ الإدارة المُعوقة ، ويَكفى في هذا الصددْ
إعمالَ مبادىء الرِّقابةِ والحساب .
ويجب
ألا ننسى أن أغلبَ الدُّول المتقدمة طَرحت دَساتِيرها بَعد سَنواتٍ مِن الحِوارِ
الوَطنى ، فإنّ قيمةَ الدستورِ فى إلتفافِ الشّعب حَوله ولَيس بِإجبارِ الناسِ
عليه ، وأَنَّ الإستفتاءَ عَليه لا يُفيد إلتفاف الأمة حَولَه ، فإنّ المُجتمع
الإنتخابى يَحوى عَلى نِسبة عالية من الأمية .
عبد
السلام الشاذلى