Monday, September 30, 2013

كان الله فى عون من لم يتعلم من التاريخ

الذَّكِىُّ مَنْ تَعَلّمَ مِنْ أخطاءِ الغَيْر ، والأقلُ ذَكَاءً مَن تَعَلمَ مِنْ أخطَائِهِ
أمّا مَن لَمْ تُعلمهُ أخطاؤُهُ فَكانَ اللهُ فى عَونِهِ
التاريخُ هُو المُعّلِم الأول للآدمية ، كل الشعوب تعلمت بدراستة وأحداثه ، إلا أنّ الدُول إختلفت في قدر إستيعاب الدروسِ من التاريخ ؛ فبينما تَعلمت بَعضُها بِسرعةٍ ، تأخر البعضُ الآخر في الإستفادةِ مِن التاريخ وإستيعاب الدروسِ منه .
          ولكن كَيف تَستَوْعب الأمم العِبَر عن التاريخ ، فَمن المُؤكد أنّها لا تَستوعِبها بِطريقةٍ مُباشرة ، فهى بالتأكيدِ لا تَستَوعبها بِواسطةِ المُواطِنينَ قَليلوا أو مُتَوَسِّطوا التَّعليم ، وقَد تَستوعِب الأُمَم بِواسطةِ المُتعلمون ، إلا أنّه مِنَ المؤكد أنّ الأُمم تَستوعبُ التاريخ مِن خِلال كتاباتِ ومُلاحظاتِ الفَلاسِفَةُ والمفكرين . فَبِقدرِ وُجودِ هذهِ الفئة وبِقدرِ إرتفاعِ فكرِها ، وبقدرِ جُهُودِها فى شَرحِ وتَحليلِ الوقائع للشعب ، تَسْتَوعبُ الأمم وتستفيدُ مِن خِبراتِ الآخرين في وقتٍ أَقل . كما وأنَّ بُعْد تِلك الفِئة عن المُعترك السياسى هُو الضمان الأول لِحيدَةِ رأيِهَا ، وبُعْدَه عن التأثّرِ بأهوائِها وأفضلياتِها الشخصية .
          أمّا فى حالةِ خُلو سَاحةَ الوَطن مِن فِئة الفَلاسِفة والمُفكرين ، فإنّ سَاحة الفكرِ تَزْدَحم بِالسياسيين الذين يُرَوِّجونَ لِتَوجهاتٍ مُختلفة ، فِيما يَبْنى كُل فريقٍ سياسى تَوجهَاتِه بِناءً عَلى مَا يَظُنُ أنّها تَخدمُ مَصالِح الفريق . فتصل الأُمّة إلى حَالةٍ من الجُمود الفِكرى .
          ولكنّ الثابت من التاريخ أن هذا الأُسلوب لم يَخْدِم الوطن ، فضلاً عن أنّه لم يَخدم التّيار السياسى الذى سَارَتْ الأُمة على تَوجهاتِه التى نَقلَها لهم .
          في هذا الوضع من الجمودِ والتَحجرِ الفِكرى وضَعَتْ مِصرُ نَفسها في هذه الفَترة . فيمكن القول بأنّ مِصر في فَترةٍ إنتقاليةٍ إستمرت من فبراير 2011 حتى اليوم .
          الفترة الإنتقالية مِن طَبيعتِها أنّها لا تِتْسِعُ لأىِ أفكارٍ إصلاحية ، فَهِى تَبقى إمتداداً للفَتْرَةِ التى تَسْبِقُها ، فَلا تَوجه واضح لِلإدارةِ خَاصةً في المَسَائِلِ الإقتصاديةِ الشائكة ، لا يُوجَد مُتخِذٌ لِقرار ، ألخوفُ هو طَبيعَةُ المسئولينَ في هذه الفترة ، وهو أمرٌ طبيعى فإنّ الأُمة لم تُحَمِّلُهم مسئولِيةَ الإصلاح ولن تحاسبهم عليه ، فمسئولية الإصلاح لا تَأْتى إلا عن طَريق إدارةٍ منتخبةٍ . فهل يمكن أن تستمرَّ سِياساتِ الأُمة إمتداداً لِلفترةِ السّابقة وأن نتوقعَ نَتائجَ مُختلفة .
          فَانّهُ في خِضَمِ المَطالبِ مِنْ كِتابة دُستورٍ إلى إختيارِ نِظامٍ إنتخابى إلى إقرارِ الأمْن إلى إنقاذِ الإقتصادِ إلى تَطويرِ حياةِ النّاس ، فإننا يَجبُ علينا أنْ نُحددَ الأولويات . فَيطفو عَلى السطح مُباشرةً أنّ الأولوية هِى إصلاح حَياةِ الناس وإنقاذ الأقتصاد من الإقتراض الذى لا يَصْلُح أن يَسْتَمرَ مَنهَجا للدولة .
          ولكنّ الإقتصاد لا يُمكن اصلاحه بِواسطةِ ادارةٍ إنتقالية ، واستمرارِ حَالة التردى الإقتصادى ستأتى بِحالةٍ مِن الفوضى لا مَحالة ، وتؤهلُ لَثورةٍ أخرى ، وتُؤهل مرة أخرى لأغلبيةٍ يَحصلَ عليها التيارُ الدينى .
          إنّ الأمة تستطيع أن تَتَقدم بِدستورٍ ضعيف إذا كانَ هُناك إدارةً جيدةً رَشيدة ، بَينما لا يُمكن أنْ تَتقدّمَ الأمةُ بادارةٍ سيئةٍ أو ضَعيفة مهما كان فضل دستورها .
          وكنت قد كتبت فى مَراتٍ سابقةٍ أولُها في الأيامِ التالية للثورة في ترتيبِ الأولويات مَا نَصَّ على الأتى :
الإنتقال الى حُكمٍ مَدَنى
والتالى ماقد يَكون برنامجا محددا للوصول إلى ديمقراطيةٍ فَعَّالة فيما يُشْبه إعلانا توافقت عليه الأمة .
1.     انتخاب رئيسٍ للجمهورية يترشَّح له من يرغب من الكَافَّة ويَنْجَح صاحبُ الأغلبية المطلقة للأصوات .
2.     يتحدد فَصْلُ سلطة القضاء عن رئيس الجمهورية .
3.     يتولى الرئيس فَوْرَ انتخابه المهام الآتية بالاضافة لادارة البلاد :
         أ‌-    الدعوة لانتخاب مجلس للشورى يَتَرشَّح له الكافة من الحاصِلين عَلى قدرٍ محدَّدٍ من التعليم العالى ، وتُمَثَّلُ فيه كُلّ محافظةٍ بعددٍ متساوٍ من النُوَّاب ، وتكون من صَلاحيته إقرار القوانين الضرورية فى الفترة القادمة والموافَقة على التَعيينات التى يُعينها رئيس الجمهورية .
                    ب‌-       الدّعوة لانتخاب مُحافِظين ومَجالس مَحلية للمحافظات لتخاطب آمال المواطنين .
        ت‌-   أَنْ يَتَولَّى فور تَولِّية السلطة العمل على إصلاح الأحزاب السياسية من خلال المؤتمرات والمباحثات حتى تَحْصُلَ مصر على عَدَدٍ مُنَاسبٍ من الأحزاب فتكون دعامات النظام الديمقراطى .
                    ث‌-       الدعوة لانتخاب مجلس للشعب يقوم على أساس الأحزاب بعد إصلاحها .
                    ج‌-        عمل دستور جديد للبلاد يحقق آمال الأمة من خلال المجالس النيابية ، وهيئة تأسيسية مُنْتَخبة .
4.     أَنْ يتم ذلك كله فى إطار برنامج زَمَنىٍّ مُحَدد يُرَاقب تطبيقَه كل كم الرئيس ومجلس الشورى  والمجلس الأعلى للقوات المسلحة .
5.     تنتقل الِبلاد للإدارة المدنية .

          وليس سَردى لِما كتبتُ قديماً يَهدِفُ إلى أن نكررُه ، وإنما لنتأمل فى وضعِ مِصر لو كانت قد أخذت بِه ، فعلى الأقل كُنا سَنحافِظُ على رَصيدِ الإحتياطى الدُولارى بِما يُغْنِى الأمّة عن الإقتراض ، وإنما قد نَأخُذ بِبَعْضِه الأن بَعد تجربةِ العامان ونصف ، بأنّ نُعدل بَعضَ البنود ، خَاصّةً ما يُتيح منها للقواتِ المسلحةِ من مراقبةِ الإدارةِ السياسيةِ المنتخبةِ للبلاد طالما كانت لا تَشَذُّ عن النَامُوس الطبيعى للإدارة .
          كما يَجب أن نُحدد الأخطاء التى وقَعت فيها الأُمة في الفترة السابقة وهى إنتخاب رئيسٍ سيىءٍ لم يعمل ما يَجبُ عليه مِن إصلاحِ الإقتصاد ، وأتى بِأعمالٍ سيئةٍ مِنها إقرار دستورٍ سيىء .
          ولا يَجب أنْ يُثنينا إختيار رئيسٍ سيىء عن تكرارِ المُحاولة لإنتِخابِ رئيسٍ يفى بتطلعاتِ وآمالِ الأمة .
          ولا تُفيدُ صياغةَ دستورٍ سريعٍ لا تَوافقَ عليه ، ولم يَحظى بِحوارٍ إجتماعى شاملٍ ، ويٌقيِّدُ سُلطاتِ الرئيس بِشكلٍ مُعوقٍ لِتطبيقِ رُؤيته لِتقدمِ الأمة ، وهو ما يؤهل على أقل تقدير لإدخالِ الرئاسة فى بيروقراطيةِ الإدارة المُعوقة ، ويَكفى في هذا الصددْ إعمالَ مبادىء الرِّقابةِ والحساب .
          ويجب ألا ننسى أن أغلبَ الدُّول المتقدمة طَرحت دَساتِيرها بَعد سَنواتٍ مِن الحِوارِ الوَطنى ، فإنّ قيمةَ الدستورِ فى إلتفافِ الشّعب حَوله ولَيس بِإجبارِ الناسِ عليه ، وأَنَّ الإستفتاءَ عَليه لا يُفيد إلتفاف الأمة حَولَه ، فإنّ المُجتمع الإنتخابى يَحوى عَلى نِسبة عالية من الأمية .

                                                   عبد السلام الشاذلى

No comments:

Post a Comment