Saturday, October 19, 2013

هل من عاقل فينظر الى حالنا فى مصر

الديمقراطيةُ مَطلب جميع الثورات . ولَكنّ التاريخ بَيّنَ أنّ الثورات لا تَصنعُ إلا دِيمقراطياتٍ شكلية ؛ فالحاكمُ عند تَولية الحُكم يَبْدأُ بِخلقِ مجموعةٍ مِنَ الحُروب ، أحياناً ضِد عَدوٍ خارجي وأحياناً أُخرى ضِد مَجموعةٍ أو فِئةٍ مِنْ داخل المُجتمع ، أحياناً يسميهم بِالإنتهازيين أو بِسارقي قُوت الشّعب ، وأحيانا أخرى يسميهم بِالقلةِ المُندَسّة ؛ وفجأة يَرتَفِعُ شِعار ألّا صَوتٌ يَعلو عَلى صَوتِ المَعركة ، فيتحمل الشعب شَظفَ الحياةِ وحالة الطوارئِ في سَبيلِ الهدف . وَيَطول الإنتظار وَسَواءً تَحقّقَ الهدف أو لم يَتَحقق فَقانونُ الطوارئ هو الرابح ، حتى صَعُبَ عَلى أوسَعَ النّاسِ خَيالاً أنْ يَتَصورَ مِصر بدون قَانونٍ للطوارئِ أو الحظر . ويَنقسمَ المجتمع إلى مَجموعةٍ مِنَ المؤيدين ، غالباً ما يَكونوا مُنتفعين ، وعن طريقِ قَمعِ المُعارضين يَعلو صَوتُ المُؤيدين ، ويَتمسّكوا بِشعاراتٍ تُقْنِع مَنْ يُوافقهم بِأنّ الحقّ كُلّ الحَق معهم . ثم يبدأ يأكُلُ الفَقْرَ قُلوب الرجال فَيَهُبونَ مِنْ جَديد إلى ثَورةٍ أُخرى ؛ فهل يا تُرى يُمكن أنْ يَكونَ حَظُ الثورةِ الجَديدة أفْضَل مِن سَابِقَتِها ؟ وَكَمْ ثورةٌ ياتُرى تُعِلِّمُ الشعب ؟ وهل مِنْ بَعْدِنا يَتعلَّم الجِيلُ إلقَادِمُ من ثوراتِنا بِدراسةِ نَتائجَ سَيْرِها لِيتخِذوا طريقا أفضل ، أم يَبْدَؤا مِنْ جديدٍ على نَفسِ خُطواتِنا مَرةً أُخرى ؟ وتَستمرَ الديمقراطيةُ هى مَطلبُ الثَوَراتِ الذي لا يَتَحَقق مَهما زَاد عَددُ الثوراتِ .
          وقَدْ وَضَعتْ مِصر قَانُوناً جَديداً للديمقراطِيةِ ، وهُو قَانُون المُظاهرات . وقَد يَظُنُ البعض أنّ قَانون المُظاهرات الذى قَدمتهُ الحُكومة لِلرئيس هُو المَقصود فِي هَذهِ المَقالة ، ولكن أُؤكِدُ لَكم أنّ هذا الظَنُ في غَيرِ مَحله ، لَيسَ هَذا لِأن هذا القانون لا يَرقَي إلى المُستوى الفِكري لِتعليقَاتي ، فإنّني أُؤكِّدُ لكم أننى سَأُعلِّقُ عَليهِ عِندَما أستطيعُ أن أُترجم المادة 9 مِن القانون ( المنشورِ على مدونة مصر أولا ) إلى اللغةِ العربية . ولكنني هنا أقْصُدُ قَانونَ المظاهرات العُرْفِي الذي إتّخَذَهُ الوطن ، والذي يَتَخلص في كِلماتٍ معدودةٍ ، بأنه لا دَاعِيَ لِلانتخابات حَتّى يَنتُجَ حُكمٌ دِيمقراطيْ ، ويَكفي ألإلتجاء إلى أنّ كل طرفٍ يَدعُو أتباعُه للتَظَاهر وأنْ يَقوم كُل طرف بِحِسِابِ عدد مُتظاهريه ، ثُم يَتَقَارَعُوا الحُجّة على شَبكاتِ التِلفزيون ، ويَتَجَادَلوا كُلٌ يَقول أنّ عَدد أتْبَاعُه أكْبَر . وَيرَبح في هَذا النِّزال صَاحبَ العَصا الأغلظ ، فَيَفْرِضَ شُروط اللُّعْبة عَلى الطرف الآخر . وهذا هو ما قَصدتُهُ بِالديمقراطيةِ الشكلية .
          إلا أنّ الذي يَغيب عَن الكَّافة أنّ هُناك طَرفٌ ثَالثٌ فِي المُعادَلة ، ألَا وهو أفرادُ الشّعب الكادِح ، وَهُو مَغلوبٌ عَلى أَمرِهِ خِلال جَميعِ هذهِ الحوارات ، إلّا أنّهُ صَاحبُ السلْطَة الفعلى ، يَحْدُوهُ الأملُ في أنْ تَتَحسّنَ حَالتَه بعد إلقَاءِ اللّومِ على حُكمٍ سَابقٍ ، ولكن هيهات ، فكيف يأتي اللومُ على حكمٍ سابقٍ بالمال ؟ فقد جَرّبنا هَذا مِن قَبْل بِلا فَائدة . فَلا يَجِدُ الشّعب ، صَاحبُ السلطة ، مَنَاصاً مِنَ التوجُهِ مُجدداً للثورة .
          ويَتَعلمَ الحَاكِمُ الجديد مِنْ أخطاءِ الحاكِمِ السابِق في إتجاهٍ واحدٍ فقط ، وهو كَيفَ يَقهَرُ الشعب لِمنعِ الثّورة ، ولكن هَيهاتَ فَالشعبُ وقد طَحَنَهُ الجوع مُتَربصٌ بِهِ حتى يَجِدَ ثُقباً يَنفُذُ منه لِلثورةِ عَلى الحاكم ، ويَتَكرر الحال . فلا الشّعبُ يَتَعلم حُسنَ إختيارِ حَاكِمِهِ ، ولا الحَاكم يَتَعلّم أنّ خِدمَةَ شَعْبِهِ هُو السبيلُ للبقاءِ في الحكم .
          أَفَلِمِثْلَ ما نَحنُ فِيهِ قُمنا بِثورةٍ على حُسني مبارك ونظامه ؟ أفَلِكَيْ نَصِلَ إلى مِثلِ هذه الفَوْضى ، وقِلّه الأمن ، وإرتفاعِ الأسعار ، وإنحسارِ الوظائف ، وَقلّةِ الدّخل قمنا بالثورة ؟ وقد يُحزِنُ مقالى هذا صاحبي السمير ، وقد ويُفرحُ صاحبى التحسين إلا أنّ هذا لا يُهم . فهل مِن عَاقلٍ فَيُنَبّئُنَا بما خَبّأتْ لنا الليالي .
          

No comments:

Post a Comment