الديمقراطيةُ
مَطلب جميع الثورات . ولَكنّ التاريخ بَيّنَ أنّ الثورات لا تَصنعُ إلا دِيمقراطياتٍ
شكلية ؛ فالحاكمُ عند تَولية الحُكم يَبْدأُ بِخلقِ مجموعةٍ مِنَ الحُروب ، أحياناً
ضِد عَدوٍ خارجي وأحياناً أُخرى ضِد مَجموعةٍ أو فِئةٍ مِنْ داخل المُجتمع ، أحياناً
يسميهم بِالإنتهازيين أو بِسارقي قُوت الشّعب ، وأحيانا أخرى يسميهم بِالقلةِ
المُندَسّة ؛ وفجأة يَرتَفِعُ شِعار ألّا صَوتٌ يَعلو عَلى صَوتِ المَعركة ، فيتحمل
الشعب شَظفَ الحياةِ وحالة الطوارئِ في سَبيلِ الهدف . وَيَطول الإنتظار وَسَواءً
تَحقّقَ الهدف أو لم يَتَحقق فَقانونُ الطوارئ هو الرابح ، حتى صَعُبَ عَلى أوسَعَ
النّاسِ خَيالاً أنْ يَتَصورَ مِصر بدون قَانونٍ للطوارئِ أو الحظر . ويَنقسمَ
المجتمع إلى مَجموعةٍ مِنَ المؤيدين ، غالباً ما يَكونوا مُنتفعين ، وعن طريقِ قَمعِ
المُعارضين يَعلو صَوتُ المُؤيدين ، ويَتمسّكوا بِشعاراتٍ تُقْنِع مَنْ يُوافقهم بِأنّ
الحقّ كُلّ الحَق معهم . ثم يبدأ يأكُلُ الفَقْرَ قُلوب الرجال فَيَهُبونَ مِنْ جَديد
إلى ثَورةٍ أُخرى ؛ فهل يا تُرى يُمكن أنْ يَكونَ حَظُ الثورةِ الجَديدة أفْضَل مِن
سَابِقَتِها ؟ وَكَمْ ثورةٌ ياتُرى تُعِلِّمُ الشعب ؟ وهل مِنْ بَعْدِنا يَتعلَّم
الجِيلُ إلقَادِمُ من ثوراتِنا بِدراسةِ نَتائجَ سَيْرِها لِيتخِذوا طريقا أفضل ، أم
يَبْدَؤا مِنْ جديدٍ على نَفسِ خُطواتِنا مَرةً أُخرى ؟ وتَستمرَ الديمقراطيةُ هى مَطلبُ
الثَوَراتِ الذي لا يَتَحَقق مَهما زَاد عَددُ الثوراتِ .
وقَدْ وَضَعتْ مِصر قَانُوناً جَديداً
للديمقراطِيةِ ، وهُو قَانُون المُظاهرات . وقَد يَظُنُ البعض أنّ قَانون المُظاهرات
الذى قَدمتهُ الحُكومة لِلرئيس هُو المَقصود فِي هَذهِ المَقالة ، ولكن أُؤكِدُ لَكم
أنّ هذا الظَنُ في غَيرِ مَحله ، لَيسَ هَذا لِأن هذا القانون لا يَرقَي إلى المُستوى
الفِكري لِتعليقَاتي ، فإنّني أُؤكِّدُ لكم أننى سَأُعلِّقُ عَليهِ عِندَما أستطيعُ
أن أُترجم المادة 9 مِن القانون ( المنشورِ على مدونة مصر أولا ) إلى اللغةِ
العربية . ولكنني هنا أقْصُدُ قَانونَ المظاهرات العُرْفِي الذي إتّخَذَهُ الوطن ،
والذي يَتَخلص في كِلماتٍ معدودةٍ ، بأنه لا دَاعِيَ لِلانتخابات حَتّى يَنتُجَ حُكمٌ
دِيمقراطيْ ، ويَكفي ألإلتجاء إلى أنّ كل طرفٍ يَدعُو أتباعُه للتَظَاهر وأنْ يَقوم
كُل طرف بِحِسِابِ عدد مُتظاهريه ، ثُم يَتَقَارَعُوا الحُجّة على شَبكاتِ التِلفزيون
، ويَتَجَادَلوا كُلٌ يَقول أنّ عَدد أتْبَاعُه أكْبَر . وَيرَبح في هَذا النِّزال
صَاحبَ العَصا الأغلظ ، فَيَفْرِضَ شُروط اللُّعْبة عَلى الطرف الآخر . وهذا هو ما
قَصدتُهُ بِالديمقراطيةِ الشكلية .
إلا أنّ الذي يَغيب عَن الكَّافة أنّ هُناك
طَرفٌ ثَالثٌ فِي المُعادَلة ، ألَا وهو أفرادُ الشّعب الكادِح ، وَهُو مَغلوبٌ عَلى
أَمرِهِ خِلال جَميعِ هذهِ الحوارات ، إلّا أنّهُ صَاحبُ السلْطَة الفعلى ، يَحْدُوهُ
الأملُ في أنْ تَتَحسّنَ حَالتَه بعد إلقَاءِ اللّومِ على حُكمٍ سَابقٍ ، ولكن هيهات
، فكيف يأتي اللومُ على حكمٍ سابقٍ بالمال ؟ فقد جَرّبنا هَذا مِن قَبْل بِلا فَائدة
. فَلا يَجِدُ الشّعب ، صَاحبُ السلطة ، مَنَاصاً مِنَ التوجُهِ مُجدداً للثورة .
ويَتَعلمَ الحَاكِمُ الجديد مِنْ أخطاءِ
الحاكِمِ السابِق في إتجاهٍ واحدٍ فقط ، وهو كَيفَ يَقهَرُ الشعب لِمنعِ الثّورة ،
ولكن هَيهاتَ فَالشعبُ وقد طَحَنَهُ الجوع مُتَربصٌ بِهِ حتى يَجِدَ ثُقباً يَنفُذُ
منه لِلثورةِ عَلى الحاكم ، ويَتَكرر الحال . فلا الشّعبُ يَتَعلم حُسنَ إختيارِ حَاكِمِهِ
، ولا الحَاكم يَتَعلّم أنّ خِدمَةَ شَعْبِهِ هُو السبيلُ للبقاءِ في الحكم .
أَفَلِمِثْلَ ما نَحنُ فِيهِ قُمنا بِثورةٍ
على حُسني مبارك ونظامه ؟ أفَلِكَيْ نَصِلَ إلى مِثلِ هذه الفَوْضى ، وقِلّه الأمن
، وإرتفاعِ الأسعار ، وإنحسارِ الوظائف ، وَقلّةِ الدّخل قمنا بالثورة ؟ وقد يُحزِنُ
مقالى هذا صاحبي السمير ، وقد ويُفرحُ صاحبى التحسين إلا أنّ هذا لا يُهم . فهل مِن
عَاقلٍ فَيُنَبّئُنَا بما خَبّأتْ لنا الليالي .
No comments:
Post a Comment