الحكومة الرشيدة كمان وكمان
لَستُ أرغب في أنْ أُعلِّق بِمقالي هذا علي أحوالِ الحُكومة ، لأنني إنْ
قررتُ أنْ أفعل ، فإن الأمر سيحتاج إلى مقال يومي لبيان الأخطاء ، وأكاد أنْ أكونَ
على يَقينٍ إنْ أعملت الحكومة قواعدَ الشفافية ، فإن الأمر قد يتطلبْ مَقالا كل
ساعة أو ساعتين على الأكثر .
ولكن انطلاقًا من مبدأ تحمل المسئولية فقد وجدتُ أنه من الواجب عَليّ
التعليق علي تطوراتِ موضوع وزارة الرياضة إستكمالًا لِمقالي المُعنون " الحُكومة
المصرية الرشيدة " ؛ فقد أصدرَ وزير الرياضة قرارًا بِحلِ مَجلس
إدارة النادي الأهلي ، وأفْرَدَ أسبابًا لذلك أهمُها أنّ هذا المجلس أصلًا هو
مجلسٌ مُعين مِنْ قِبَلِ الوزارة بعد انتهاءِ مُدّة إنتخابِه ، فهو بِذلك مجلسٌ مُؤقت
في إنتظارِ مَجلسٍ مُنتخب خلال شهور ، وقَد تَجاوزَ ، علي سَندٍ مِنَ القول ، المجلس
المؤقت صَلاحياتِه بالدعوةِ لِجمعيةٍ عُموميةٍ غَير عادية لِلتصويتِ علي لائحةٍ جَديدةٍ
للنادي ، وهو أمرٌ مُنافي لِطبيعةِ المجالس المُعينة تِلك التي لا يُصرّحُ لها بِعرض
تَغيير لائحة النادي ، إنما يُسمح لها بِتيسيرِ الأمور العاجلة لِحين إنتخابِ مجلسٍ
جديد ، كما تَحدث الوزيرُ أيضا عن مُخالفاتٍ مَالية .
ثُم فُوجئنا بِقيام رَئيس الوُزراء بِإلغاءِ قَرارِ وَزيرِ الرياضة دُون أنْ
يكشفَ عَن أسباب . وبدأت الصحف في أخذ رأي القانونيون في تَصرفِ رئيسِ الوُزراء ،
وكُلّ يومٍ تُطالعنا صحيفة بعكس ما كَتبتهُ صحيفةٌ أُخري . وتَمر الأيام وتسير
الأمور نَحو موعد الجمعية العمومية غير العادية ، ولا أحد يدري مِنَ الشّعب مَاذا
سَيحدث ، فَحالُ الشعبِ كَحالِ مُتفرجٍ يُشاهِدُ فِيلمًا مِن نَوْعِ المُغامَرةِ
والتشويق مُخرجُه أحد صِبْيَةُ ألفريد هيتشكوك ، الذي يَأمل في أنْ يُفاجئَ
المُشاهد بِالنهاية علي غير توقعٍ مِن أحدٍ مِنهم . ويَسُودُ في هذا الشأن النِّظامُ
العَشْوائي الذي تِسير عليه الحُكومة الرشيدة .
ثُم بَعدَ أنْ يَتَوعّدَنا الرئيسُ المُؤقت للنادي بِتفجيرِ مُفاجأةٍ ،
فإذا بِه في يوم 29 يناير يَظهرُ هذا الرئيسُ المؤقت للنادي الأهلي علي شَاشةِ سي
بي سي ، ويا ليتَه لمْ يَظهر ، فَتَحَدّثَ علي مِحورين ، ألأول في شَأْنِ اللائحة
الجديدةِ للنادي فَيصِفُها بِأنها عَظيمةُ الشأن لم يَحدث لها مثيلٌ من قبل ، وهذا
الأمر لم يعترض عليه ولم يؤيده أحد ، إنما النقاشُ يَنحصرُ في شَرعيةِ المجلس لِعرض
اللائحةِ من عدمه ، والمحورُ الثاني في الشئونِ المالية ، فيقرر أنّ المَجلس رَدّ
عَليها بِخطابٍ ، وأنّ المَبدأ العام أنّ المُتهم بَرئٌ حتي تَثبتَ إدانتُه ، بِمعنى أنّ علي الوزيرُ الإنْتظار لِخمسِ أوْ سَبعِ
سَنواتٍ حين صدورِ حُكمٍ نهائي .
وعلي صَعيدٍ آخر قَررت مَحكمةُ الجِنايات يوم 22 يناير إخلاء سَبيل أحَد قِيادات
الإخوان كمتهمٍ في قضيةِ تَعذيبٍ ، وفي 23 يناير قَررت مَحكَمة جِناياتٍ ، وبعد طَعنِ
النيابة ، حَبسهُ مُجددًا علي ذِمّة نفس القضية . ولا عَجَبْ .
ثُم في 28 يناير يُقَررُ وزير الآثار تفتيش وكلاء النيابة لَدَي خُروجهم مِنْ
مُعاينةِ المتحف الإسلامي خوفًا مِن السرقات التي حَدثتُ في بَعض المَتاحف علي
سندٍ من قَول جَريدةِ الأهرام ، فإذا بالنيابة تُحقق مع الوزير بَعد إستدعاؤُهُ
للنيابة ، فَيعتذر بِقولِه هذه " زلَّةُ لِسان " فَتُخلي النيابة سَبيلهُ مِن سراي النيابة
بالضمان الشخصي .
ثُم في 26 يناير نَعلم بِأزمةٍ مُسماة " بِنِسَب المُشاهدة " في
القنوات المحليةِ للتلفزيون المصري . والأزمَةُ حَدثت بِسبب قِيام الشرِكةِ المُكلفةِ
بِحساب نِسب المُشاهدة بإصدارِ تقريرٍ بِه نِسبٌ أقل مِن تِلك التي تَقبلُ بِها
الوزارة ، ولا عجب أيضاً فإن الشّعب لا يُفارق مُشاهدة القنوات المحلية .
ثم عَلي صعيدٍ آخر ، وفي عدد
الأهرام الصادر في 22 يناير ، وزيرُ الإتصالات يُصرحُ بِأنّ الشباب الذين قَاموا بِالتصويتِ
في إستفتاء الدستور هو 11 مليون شاب من أصل 16 مليون لهم حق التصويت بنسبة 70% علي
حد قوله ، وأنّ كُل ما يُقالُ عَن عُزوفِ الشباب عن المشاركة ليس لهُ أساسٌ مِن
الصِّحة ؛ كما وأنّهُ سَيوفر لِلشبابِ عشرة آلاف فرصَة عمل .
فإذا قسّمنا الشاب طبقًا لِقولِهِ
، يَكون قد ضَمَّ إلى 4 مليون مُقيد بين 18 و 20 سنة مَجموعَةً مِن الفِئةِ العُمرية
المقيدةِ بين 21 و40 سنة التي يبلغ عدد المقيدين بها 27 مليون ؛ فإذا كَانَ
المعلوم بِأنّ الشباب هُم مَن كَانَ دُونَ سن الثلاثين عاما، لِقولِه تَعالي في مُحكَمِ
آياتِه عَنْ السّيد المسيح " كهلا من الصالحين " فإذا كَانَ
الحُضور عن هذه الفئات حسب قوله 11 مليون ، فإنه يَتبقي مِن عَددِ الذين أدلوا بِأصواتِهم
فِعلًا في الإستفتاء ( حضر الإستفتاء 20 مليون ) طبقا للنتائج المعلنة 9 مليون
ناخب مِن مُجتمع المُقيدين الباقين وعددهم 32 مليون ؛ فتكون نِسبةُ الحضور بِحسبِ تصريحِ
الوزير 70% من الشباب أمّا المُتبقي فهو 28% من بَاقي المَراحلِ العمرية . ونأمل
ألا يَعترض أو يَحزَنْ الوزيرُ المَسئول عَن الكهول والشيوخ من المجتمع أوْ يُحاسَبَ
علي النسبةِ الضعيفةِ لِحُضُورِهم . فهل مِن مُراجعةٍ لِتصريحاتِ الوزير. وهَل إذا
إتضح أنّه أخطأ في هَذا ، فهل يَجِبُ عَلينا أنْ نُصدِّقه في بَاقي مَا نُشر عَنْهُ
مِنْ أنّهُ سَيوفر عشرة آلاف فُرصة عملٍ لِلشباب .
أفَبعد كلِّ هذا يُمكن لِأحدٍ
أنْ يَدّْعِيَ بِأنّ الحكومةَ لَيْسَت رَشيدة .