Monday, January 13, 2014

الجَيِّد والسيء في الدساتير المصرية

الجَيِّد والسيء في الدساتير المصرية
الحقوق والحريات:
          في خُصوصِ حُريةِ الصحافة انْفَرَدَ مَشروع دُستور 54 بِإطلاقِ حُريّة الصحافة بَينما قَيَّدَتْها الدساتير التالية بِالنصِ على " جَواز إستثناءً أن تُفرَضَ عليها رِقابةٌ في حَالةِ الطوارئ أو الحرب أو التّعبِئَةِ العامة " في المادة (48) من دستور 71 والمادة (48) من دستور 2012 والمادة (71) من دستور 2013 .
          إنّ إخفاءَ بَعض المعلومات عن الشعب ، صَاحب السلطة ، بَينما يَكون بَعض مُوظفي الدولة عَلى عِلمٍ بِها ، هو تَرتيبٌ سيءٌ لِلأمور ، فَهو أولا يُساعدُ على انتشارِ الشّائِعات ، ويُقَلِّلُ مِن ثِقةِ أفرادِ الشعب بالحكومة ، وأنّه مِن المفضلِ دائمًا زِيادة ثِقة الشّعب في الحكومة خَاصةً أثناءَ الأزمات ، ولا يَتَأتّي ذلك إلا بالإفصاحِ عن المعلومات .
          وقد تَناوَلَت الدّيمقراطيات المُتقدمة في العالم هَذا المبدأ فَثَبَتَتْ صِحته ، فإذا اسْتَدْعَينا المادة (47) من دستور 2012 ، وهي مَادة جديدة على الدساتير المصرية ، لم ترد في أيٍ مِن الدساتيرِ السابقة أو اللاحقة والتي نصت علي " الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق ، والإفصاح عنها حَقٌ تَكْفُلُهُ الدولة لِكل مُواطن ...." وهي مادة أصلاً تبنتها الدولُ الديمقراطية بِالنصِ عَليها في قَوانينها أو بِاعتبارِها عُرفًا جَاريًا في دُولٍ أُخري ؛ وهي مَادة جيدة إلى حَدٍ بَعيدٍ تُساعِد علي التغلبِ عَلى الفساد في أجهزةِ الحكومة عن طَريق تَفعيل رقابة الصحف والإعلام على الأجهزة . وقد قَرنَتْهَا أغلبُ الدول بِالسماحِ للسلطةِ التنفيذيةِ بِتحصين بَعض المُستندات لِفترةٍ زَمنيةٍ مُحددةٍ وذلك بِواسطةِ قَانونٍ تُصدرهُ السّلطة التشريعية ، وهو تَرتيبٌ جَيدٌ تَفَوَّقَ على نُصوصِ الدساتيرِ المصريةِ فى هذا الشأن .
          إنّ إشراكَ الشعب في المَشاكلِ التي تواجِهُهَا الحُكومة هُو دَائمًا أفضَلُ مِن إخفاءِ الأخبار عنه ، فهو أمرٌ يُساعِدُ على تَرابُط الأمة ، ويَرفعُ من ثِقَةِ الشّعبِ في حُكومَتِةِ .
          انفرد دستور 2013 في مادته (52) بالنص على أن " التعذيب جريمة لا تسقط بالتقادم ". بَينما انفرَدَ دُستور 2012 في المادة (47) بِالنصِ على " حُرية الحُصول على المستندات والمعلومات والوثائق إلا ما يتعارض منها مع الأمن القومي ...." ، حيث كَان مِن الأولى إطلاق النص وعدم تقييده ، على أنْ تُحَصّنَ بَعضُ المُستندات لِفترةٍ زَمنيةٍ مُحددة يَتم الكَشف عَنها بَعد المُّدةِ المقررة ، والمُّدةُ المُتعارف عَليها عَالميًا في هذا الشأن تَقعْ فى حُدودِ خَمسة عشرة عاما .
السُّلطَةُ القضائية:
          انفردَ دُستور 2012 ودستور 2013 في المواد (168) و (184) عَلى بَاقي الدّساتير المصرية بِالنصِ على أنّ " التدخل في شُئُونِ العَدالةِ أو القضايا جَريمةٌ لا تَسقط بِالتقادم " وَهُوَ تَرتيبٌ جَيد سَواءً كَانَ بِنصٍ دُستوري أو قَانوني ؛ أمّا دُستور (71) فى المادة (173) قد نص على إنشاءِ مَجلسٍ أعلي لِلقضاء يَرأسُهُ رَئيسُ الجمهورية ، وتَركَ القانون لِيرتِّب أعضَاؤُه . ويُعِيبُ النّص أنْ يَكونَ رَئيسُ الجمهورية عَلى رأسِ السُّلطة الثالثة في الدولة ؛ بَينما لَم يُورِد دستور 2012 أي تَرتيبٍ لإنشاءِ مَجلسٍ أعْلَى لِلقَضَاء ، وإنْ كَان قَد أشارَ لِوجودِهِ حِينَ نَصّ عَلى شُروط تَعيين النّائب العام .
          وكَانَ مَشروع دستور 54 قد أسّسَ لإنشاءِ المجلس وسَمّي أعْضَاؤُهُ بِوظائِفِهم . بَينما ذَهَبَ دُستور 2013 في مَادتِهِ رقم (188) لإنشاء المجلس بَينما تَرك لِلقانونِ تَسميةَ الأعضاء .
          أما المادة (186) في دستور 2013 فقد ألزَمَتْ السّلطة التي بِيَدِهَا نَدْب القُضاة ، بأن يَكونَ النّدْبُ ، كَما جِاءَ في النص " يَحُولَ دُونَ تَعَارُضِ المَصَالِح " وهو ترتيب جيد .
          وقد نَصّ دُستور 2012 و 2013 في المواد (169) و(185) على التوالي بِأنْ " تَقُوم كُل جهة أو هيئة قضائية عَلي شُئونِها " وهو تَرتيبٌ سَيء ، ولم تُوردُه أي مِنَ الدساتيرِ السّابقة . حَيثُ جَري العُرف الديمقراطي عَلى أنّ السُلطةَ المُنتخبة ، ولَيستْ المُعينَة ، هِيَ التي يَجِب أنْ يَكونَ لَهَا القَرار الأخير في هذا الشأن .
          وقَد نَصّ دُستور 2013 في المادة (185) أيضاً على أنْ يَكون لِكلٍ مِنْهَا (الهيئات والأجهزة القضائية) مُوازنةً مُستقلة يُناقِشُها مَجلس النواب وتُدْرَجْ بَعد إقرارِها في المُوازنةِ العّامة لِلدولة رَقمًا وَاحدًا ، وهو تَرتيبٌ سَيءٌ لَم تُدرجُه أي مِن دَساتيرِ مِصر السّابقة ، ولَيسَ لَهُ مَثيلٌ في دَساتيرِ العالم المتقدم .
            ويُعتبر مِنْ أفضل النصوص التي وُضِعَتْ في شَأن المَحكمة العُليا الدّستورية هِيَ تِلكَ التّي أوْرَدَها مشروع دُستور (54)  في مَادتِه (187) ونصه " تُؤلف المَحكمة العليا الدّستورية مِن تِسعةِ قُضاة يُختارُونَ مِن المستشارين ومن أساتذة القانون ورجال الفقه الإسلامي الجامعيين ومن المحامين لدى محكمة النقض المتخرجين منذعشرين عامًا سَواء في هؤلاء جميعاً الحاليون منهم والسابقون . ويُعَيِنْ رَئيسُ الجمهورية ثَلاثةً مِنهم ، وثَلاثة يَنْتَخِبهم البرلمانُ مُجْتَمِعًا بِهيئةِ مُؤتَمَرٍ. وثَلاثَة يَنتَخِبَهُم القضاء العالي العادي والإداري والشرعي . وَمُدتُها إثنتا عَشرةَ سَنة وتُجدد جُزئيًا عَلى الوَجه المُبين فِي القانون . ويَكون إنعقاد المحكمة صَحيحًا بِحضورِ سَبعة من أعضائِها ". وهو تَرتيبٌ جَيدٌ تَتبِعُهُ العديد من الدول الديمقراطية المُتقدمة ، إلا أنَّ دَساتِيرَ مصر التّالية لَم تُعير هذا النّص أي التِفَات .
          قَررَ دُستور 2012 و 2013 في مواده (173) و(189) على التوالي أنّ مُهمَةَ النيابة هِي " التحقيق ورَفعْ الدّعوى عَدَا مَا يَستَبعِدَه القانون " وهو ترتيبٌ سَيء . وكَانَ دُستور 71 ، وإنْ لَم يُقرِّر هَذا صَراحَةً ، إنّمَا مَنَحَ رَئيس الجمهورية فِي حِالةِ قِيام خَطرٍ يُهدِّدُ سَلامَة الوطن أنْ يَتخذَ الإجْرَاءات السّريعة لِمواجهةِ ذَلك ؛ وقَد اسْتُخْدِمَ هَذا النّص فِي تَحويلِ مَسارِ بَعض الدّعَاوي . وجَميع هَذه النُّصوص مَعِيبَة وتُعَوِّق تَقدمَ الوطن .
          وقَد قرر دُستور 2012 و 2013 في المواد (180) و (197) على التوالي ، قَررَ لِأعضاءِ الأجهزةِ القضائية نَفس الضّمانات والحُقوق المُقررة لِلسلطةِ القَضائية ؛ وهُوَ تَرتيبٌ سيءٌ ، حَيث أنّ الحَصانَة فِي دُولِ العالم لا تُمْنَحُ إلا إلى القُضاةِ الجَالسينَ عَلى مِنصاتِ الحُكم ، وأحْيانًا لِلقَائِمين عَلى التّحقيقات . أما باقي أعضاء السّلطة فَيُعتَبَروا مُوظفين لَهُم مِنَ الحُقوق ما لِلمواطنين .
          إنّ تَرتيب السُّلطة القَضائِية بِهذا الشكْل هُوَ تَرتيبٌ سَيءٌ ؛ فَإن السّلطَة القضائية تُعَيِّنُ نَفْسَها ، وتُحاسِبُ نَفسَها ، وتُمسِكُ مِيزانيتِها بِنفسِها ، ولا يُمكِنُ لِلسلطةِ التنفيذيةِ مُحاسبةِ أو إقالةِ أعضائِها . وهذا الترتيبُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ مَفْسَدَةٌ لِلسُّلطةِ القَضائِيةِ الصّالِحة . وبِهذا التّرتيب أيضًا لا يَتَبَنّي هذا الدُستور أو يُقَدِّمُ لِثِقَةِ الشّعب بِالسلطةِ القضائية ، وهُو الأمرُ الذي لا غِنَى عَنهُ لِتقدمِ الوطن .


2 comments:

  1. مقال رائع يا عبد السلام وواضح فيه المجهود الكبيرالمبذول فى الدراسة والمقارنة, سأحتفظ بهذا المقال كمرجع. خالص الشكر والتهنئة.
    أمير واصف

    ReplyDelete
  2. أشكرك يا عزيزي وأُعلمكم أن احتفاظكم بالمقال هو شرف لي عظيم الشأن
    اتمني لكم الصحة والسعادة ، وأن يوفق الله مصر إلي الطريق السديد
    عبد السلام الشاذلي

    ReplyDelete