الربيع العربي بدأ في تونس. فهل تلاه خريفًا في باقي
الدول
بدأت
الثورة من تونس لِثلاثِ سنين خَلت ، ثُم تَلى عَن قريب مِصر ثم مد إلى دول أخري
حتى أطلق الغرب علينا دُول الربيع العربي ، وبعد حوالي ثَلاثة سنوات نسأل هل هو رَبيعٌ
عربي أم إنقَلبَ إلي خَريفٍ عربي ، أمْ هُو رَبيعٌ لِلبعضِ وخَريفٌ لآخرين .
إنّ
أكثر مَا يَدُلُ علي تَقدم البلاد أو دُخولها في حَالةِ ربيعٍ سِياسي هو قَدر نَقاء
قَوانينها ، وقدر إستقلالِ قَضائِها وقُضاتِها ، وعُزوفهم عن التعليق علي الشئون
السّياسية ، وابتعادهم عن وسائل الإعلام ؛ وهو ما يُعلي مِنْ شَأْنِ القضاة .
ولا
يوجد مَا يؤسِّسُ لهذه الأمور مِثل دَساتير البِلاد ، فهي بِنقائِها تَضع الضوابط
التي تُلْزِم الهيئة التشريعية والهيئة التنفيذية ، فترقي الدول إلى الربيع باستتاب
العدل فيها .
ويُخْطِئُ
من يَظن أنّ إستتباب العَدل يَخُص العدل بين المواطنين بعضهم وبعض فحسب ، وإنما
يعني أيضًا وبقدرٍ أكبر العدلُ بين المواطن والسلطة .
وقد نُشِرَ
مُنذ أيامٍ دُستور تُونس أولي ثَورات الوطن العربي . ومما يدعو للأسف أنْ تَناولت
الأهرام في عددِها الصادر في الأول من فبراير تَعليقًا ومُقارنة بِمقالةٍ هِي عَارٌ
علي صَحيفةٍ هي الأكبر والأعظم في العالم العربي وهي أقدم الصحف وتأسست عام 1875 ،
وأوردت الجريدة المقالة على سند من قول بعض السياسيين المصريين المَعْلومين ، وهُو
الأمر الذي لا يُعفيها مِن الإيحاءِ بِموافَقتها على تِلك الأقوالِ والتعليقات .
وكانَ يَجدر بجريدة الأهرام دراسة الدستور التونسي والتعليق عليه بحياديه بما إحتواه
مِن حَسناتٍ ومساوئ . وهُو الأمرُ الذي وجَدتُ نَفسي مَدفوعًا للقيام به في مقالي
هذا .
أولاً: مواد الحقوق والحريات:
مادة (24):- منعت سَحب جِنسية أي تونسي أو تسليمه أو
نفيه أو منعه من العودة .
مادة (28):- إيقاف شخص أو القبض عليه يكون بقرار قضائي .
مادة (29):- حفظ كرامة السجين .
مادة (30):
تونس
|
مصر
|
مادة 30:- حرية الرأي
والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة .
لا يمكن الحد من حرية التعبير والإعلام والنشر إلا بموجب قانون يحمي حقوق
الغير وسمعتهم وأمنهم وصحتهم . ولا
يمكن ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات .
|
مادة
71:- يحظر بأى وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو
وقفها أو إغلاقها ويجوز إستثناء فرض رقابة محددة عليها في زمن الحرب أو
التعبئة العامة . ...........
|
مادة (31):- الحق في النفاذ إلى المعلومات فيما لا يَمس
الأمن الوطني .
مادة (34):- حرية تأسيس الأحزاب والنقابات والجمعيات
مضمونة وينظمها القانون على أنْ لا يَنالَ من جوهر هذه الحرية ......
وتلتزم بالشفافية المالية ونبذ العنف .
مادة (35) و(36):- حق الإضراب مضمون – وحرية التظاهر يضبطها
القانون باللازم من إجراءات لا تمس جوهر هذه الحرية .
مادة (45):- تكافئ الفرص بين المرأة والرجل .
ملاحظات على باب الحقوق والحريات :
جميع
مواد الحريات أعْلَتْ شأن الحريات الشخصية . ولم تنص أي مادة كما رأينا ما يَعيب
أو يَصم المواد بِالإعتداء علي أي فردٍ في حرياته أو حتى في تَقييدِها .
حرية
الصحافة كاملة بلا أي ملاحظات . وحق التظاهر وتكوين الأحزاب على الرغم من أن
الدستور أحالة إلى الهيئة التشريعية لتنظيمه ، إلا أنه أتبع الإحالة بالنص على أن
لا ينال القانون الذي يصدر من جوهر حرية التظاهر ، وهُو نَصٌ ممتاز ، وهو الأول في
الدساتيرِ العربية إنْ لم يكن العالمية . كَما إشترطَ أنْ يَكونَ القبض على أي
مواطن بِقرارٍ قضائي فيما عدا حالة التلبس . وأعطي الدستور لِلمواطنين الحق في
النفاذِ إلي المعلومات بَينما لم يُوردهُ الدستور المصري ؛ وكَانَ دُستور 2012 قَد
أورد نَصٌ مشابه . ومن الجدير بِالذكر أنّ هذا النص يُضَاهي مَا أوردَه الترتيب
الأمريكي في قوانينه .
ثانياً: السلطة التشريعية:-
المادة (58) و(59):- إشترطت أنْ تَكونَ لِجان مَجلس النواب تُماثِلُ التَّمثيل النِسبي لِلأحزابِ
والتياراتِ في المَجلس . كَما نَصت علي حق المجلس في تَكوينِ لِجانِ تَحقيق .
وكلاهُما تَرتيبٌ جَيد ولَمْ يَنُص عليه في الدستور المصري ؛ وقد أعْطَت المادة (59)
للمعارضة البرلمانية ألحق في أن تُشكِلَ كُلَّ عَامٍ لجنة تحقيق وأن تَتَرأسها ، وهو
أيضًا تَرتيبٌ جَيد لم يَأتِ بِه الدستور المصري.
مادة (62):- إشترطت
أنْ يمتنع المَجلس عن إصدار أي قانونٍ يُخلُ بالتوازن المالي للميزانية .
مادة (64):- قسمت
القوانين التي يُصدرها المجلس إلى قوانين أساسية ، وحددتها في المعاهدات – القضاء –
الإعلام والصحافة – الأحزاب والنقابات – الجيش – قوات الشرطة – الإنتخابات – التمديد
في مُدةِ المَجلس أو الرئيس . وقوانين أخرى عادية تشمل باقي القوانين . وكانت
المادة (63) قد إشترطَتْ أن يَمر القانون الأساسي بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس
، بينما تمر القوانين العادية بالأغلبية المطلقة للحاضرين في جلسة التصويت .
وهذهِ المادة وإنْ كانَتْ تُمثل صُعوبة في تَعديلِ
القوانين الأساسية بِما قَد يُؤسِّسُ لِفرضِ رَأيِ جِيلٍ حَالي عَلي جيلٍ قادمٍ من
المواطنين ، علي عَكسِ مَا هو مَنطقيٌ مِنَ أنّ إرادة الأمة مُتساوية في جَميعِ
الأوقات ، ولا تَعلو فِي وقتٍ ما عَلى وقتٍ آخر ؛ إلا أنها تسبق الدستور المصري
حيث قيد الدستور المصري بعض هذه القوانين من التعديل إلا بموافقة ثلثي عدد أعضاء
المجلس بما يُعلي بِأسلوبٍ أكبر إرادة الأمة الحالية علي إرادة الأمة في وقتٍ لاحق
، وهُو أمرٌ مُخالفٌ لِلناموسِ الطبيعي للأمور .
ملاحظات عامة على باب السلطة التشريعية:
يَعيب
كلا من دستور مِصر وتونس المجلس النيابي الواحد . وهو ترتيبٌ تَضررتْ مِنه جَميع
الأمم التي طبقته ، فَقد أسس هذا الترتيب لِتَغَوُّلِ المجلس الواحد على باقي
أجهزة الدولة لعدم وجود مَجلسٍ آخر يَكْبَحُ جماحه ، فيما سماهُ بعضُ المحللين بِدكتاتوريةِ
المَجلس الواحد ، ووصفوها بأنها أعتي الديكتاتوريات ، وقد عانت منها بريطانيا من
1649 نتيجة حل مجلس اللوردات حتي إستقر الوضع في 1690 وأيضا عانت فرنسا في زمن
الجمهورية الثالثة والرابعة مِن دكتاتوريةِ المجلسِ الواحد ، كما عانت منها جميع
الشيوعية .
وإمتاز
الدستور التونسي بِأنه لم يُوجِد أعضاءٌ مُعينون بالمجلس كما إمتاز بِأنّ لِجان
المجلس تَتبِعُ في تَشكيلِها نِسب تَمثيل الأحزاب ، كما إختص المُعارضة بِلجنةِ تَحقيقٍ
سَنوية لِمتابعة أجهزةِ السلطةِ التنفيذية .
ثالثًا: السلطة التنفيذية:
مادة (77):-
الرئيس يُعين ويُعفي الموظفين مَع جواز إعتراضِ مجلسِ النواب . كما إشترطت المادة مُوافقة
أغلبية الحاضِرين مِنَ المجلس على تعيين مُحافظِ البنك المركزي أو إعفاؤه .
مادة (79):- أعْطَت
رئيسُ الجمهورية الحق في إتخاذِ تدابير في حالات الخطر بعدَ إستشارةِ رئيسِ
الوزراء ومَجلس النواب ؛ وذلك مع عدم حل المجلس في مدة تطبيق هذه التدابير وكلف
الدستور المحكمة الدستورية بأن تبت في الأمر بعد 30 يوم من الإعلان .
مادة (83):- نَقل السلطة في حالات عجز الرئيس ، وتُنقل
إلي رَئيسِ مجلس النواب مع غَل يَدهُ عن أي تعديلات . ومُدةُ نقلِ السلطة لا تزيدُ
عن تسعون يومًا .
مادة (87):- أقرت عزل الرئيس بِأغلبيةِ ثلثي أعضاء مَجلس
النواب وإحالته إلى المحكمة الدستورية التي لَيس بِوسعِها الحُكم بِما هُو سِوي عَزْلُهُ
مع عَدم إعفاؤُه مِنَ التبعاتِ الجزائية لأفعالِه طبقاً للقانون العام .
مادة (88):- رئيس الوزراء يُعين الحُكومة مع إشتراك رئيسُ
الجمهورية في إختيارِ وزيرِ الخارجية والدفاع . رَئيسُ الحكومة يُعَيَّنُ مِن
الحزب أو الإئتلاف الحائز على الأغلبية .
التعليق على السلطة التنفيذية:
يتميز
الدستور التونسي على المصري بأن أعطى سلطة التعيين إلى رئيس الجمهورية مَع مُراقبة
مَجلس النواب لِتعييناتهِ وحق الإعتراض عليها . كما تعتبر المادة (87) الخاصة بعزل
الرئيس أفضل من مثيلتها في الدستور المصري حيث أنّ الدستور المصري رتبَ المَحكمة
التي تُحاكمه في هيئةِ مَحكمةٍ جِنائيةٍ يترافَعُ فيها النائب العام ؛ ولا يَخفي
علي أحد طُول إجراءات المُحاكمات الجنائية وإمتداد فترتها ، وهو ترتيب سيئ ؛ بينما
إقتصرت مُحاكمة الرئيس في الدستورِ التونسي علي عَزلِه من منصِبه لِمخالفته
الدستور ، ثم تركت باقي الحقوق القانونية المُترتبة علي تَصرفاتِه لِلمحاكمِ
العادية بعد عزله ، وهُو تَرتيبٌ أفضل . كما سلك الدستور التونسي طريقًا سهلًا
قويمًا في نَصِّهِ علي إختيارِ رَئيسِ الوزراء مُباشرةً مِنَ الحزب أو الكُتلة
الحائِزة لِأغلبِ مَقاعدِ المجلس ، بينما لجأ الدستور المصري إلى تعقيد الأمر بوضع
إختيارات مُتَتالية .
نقلُ
السُّلطة في الدستور التونسي والمصري طويلة ، ويعتبر أفضل الدساتير العربية في نقل
السلطة هو دُستور مِصر 1971 والذي حَدده بِمدةِ ستين يومًا . فإنّ الفترات الإنتقالية
بين الرِئاساتِ المُنتخبة تَأتي بِالعديدِ مِنَ المشاكل في الوَطن ، ويجب ألا ننسي
أنّ في ظِلِ دُستور 71 تَم نَقلُ السلطةِ حِالَ إغتيالِ الرئيس السادات في مُدة 18
يومًا حَيثُ أقسمَ الرئيس حسني مُبارك اليمين القانونية في يوم 24 أكتوبر . وهو مَا
أعْفَي الأمة مِن المشاكل التي عاصَرتها في نَقلِ السلطتيْن التاليتيْنِ لَهُ .
رابعًا: السلطة القضائية:
مادة (102):- القبض علي القُضاة في حَالةِ التلبس أو رفع
الحصانة من المجلس الأعلي للقضاء .
مادة (104):- إعفاء القضاة ونقلهم وإيقافهم عن العمل بِقرارٍ
المجلس الأعلي للقضاء .
مادة (107):- مَنَعَ الدستور التونسي المحاكم الإستثنائية
، كما حَدّدَ أنّ المحاكم العسكرية هي محاكم متخصصة لِلجرائمِ العسكرية .
مادة (109):- المجلس الأعلي لِلقضاء يَتكون مِنْ أربعةِ
أجزاء : قضاءٌ عدلي – قضاءٌ إداري – قضاءٌ مالي – هيئةُ المجالسِ القضائية . كل هيكل قضائي في نِصفهِ مِن قُضاةٍ أغْلَبُهم
مُنتخبون وقضاةٌ مُعينين بِالصفةِ ، والنِصفُ المُتبقي مِنْ غَيرِ القضاة . المجلس
الأعلى للقضاء يَنْتَخِبُ رئيسًا لَهُ من بينِ أعضائِهِ الأعلي رُتبة .
مادة (115):- المَحكمةُ الدستورية هَيئةٌ مُستقلة تتكون
من 12 عضوًا لا تَقل خِبرتُهم عن 15 سنة ويَكون ثُلثاهم مِنَ المُختصينَ في
القانون ؛ يقترح كُلٌ مِنْ الرئيس ومَجلس النواب والوزارة ومجلس القضاء الأعلي ستة
أسماء لِكُلٍ ؛ ويَنْتَخِب مَجلس النواب بِأغلبيةِ ثلاثة أخماس المجلس 12 عضواً من
هؤلاء بِاعتمادِ النصف مِن كل جِهة ، والترشيح لِمدةٍ واحدةٍ 9 سنوات ويُجَدد ثُلث
الأعضاء كُل 3 سنوات . والمَحكمة تَنْتَخِب رَئيسها من بين أعضائها .
مادة (118):- حُكم المحكمة الدستورية مُلزمٌ لِجميعِ السُّلطات
.
التعليق على السلطة القضائية:
المادة (102) و (104) لاتختلف في مع المواد المناظرة في
الدستور المصري ، ولكن نص المادة (107) والتي حددت أنّ المحاكم العسكرية متخصصة
للجلاائم العسكرية هو في الواقع أقرب النصوص إلي النص الرائد الذي وضعه مشروع
دستور 54 والذي نص علي عدم جواز محاكمة المدني أمام المحاكم العسكرية ، ويكون في
هذا الشأن نص الدستور التونسي أفضل من نص الدستور المصري 2014 .
إنّ إنتخاب القضاةعموما وإنتخاب رئيس المجلس الأعلي
للقضاء هو ترتيب جيد ، كنا نتمناه للدستور المصري حيث يدعم هذا النص إستقلال
القضاء ، ومما لاشك فيه أن الإنتخاب ترتيب أفضل من التعيين . أما نظام اختيار قضاة
المحكمة الدستورية العليا هو نظام لا ريب أفضل من الترتيب الدستوري المصري ويضاهي
نظم الدول المتقدمة في حياديته . كما وأن إختصار المادة (118) الي نصها المذكور هو
نص موفق ويعلي شأن أحكام المحكمة الدستورية دون الدخول في جدالات قانونية مثل تلك
التي فتح لها الباب الدستور المصري .
خامسا: أبواب أخري:
مادة (123):- هيئة عامة لِلانتخاباتِ مِنْ تِسع أعضاء
مُحايدين لِفترةٍ واحدةٍ سِتة سنوات ويجدد ثلث الأعضاء كل سنتين .
مادة (130):- الجماعات (السلطات) المحلية مُنتَخبة .
مادة (141):- تَعديلُ الدستور بِطلبِ الرئيس أو ثُلث
أعضاء المجلس ؛ ولا يجوز للتعديل أنْ يَمَس الإسلام بِاعتبارهِ دينُ الدولة –
اللغةَ العربية بِاعتبارِها اللغة الرسمية – الصِّفَةُ المدنية للدولة – مكتسبات
حقوق الإنسان – عدد الدورات الرئاسية .
التعليق على الأبواب الأخري:
إنّ
النص عَلي أنّ القيادات المحلية تَكُون منتخبة هُو نَصٌ يَعلو مَثيله في الدستور
المصري الذي فتح الإختيار أمام السلطة التشريعية تعيينًا أو إنتخابًا . أمّا تَعديل
الدستور ، فَالنص التونسي قَريبٌ مِنَ النص المِصري ، فَكِلاهُما يَعكِسُ خوف
الجماعات التأسيسية العربية من الأجيال القادمة ، وعدم ثِقتهم فِيهم ، بِما دَعاهُم
إلي فَرضِ قَدرٍ مِنَ الصعوبَة في تَعديل الدستور ، مِما قَد يُبيِّنُ تَفضيل إرادَتُهم
علي إرادةِ الأجيالِ القادمة .
وإستكمالًا
للمقدمة ، أفَيُمكِنُ لِلأهرام أنْ تَعيبَ علي الدستورِ التونسي بعد هذا ؟ إنّ
الدساتير لا يَعيبها طُولِ أو قِصَرِ فَترةِ إعدادِها ، بَل ما يَعيبُها صِياغة مَوادها
ومُؤدي هَذهِ الصياغة مِنْ إعلاءِ الحريات ، كَما لا يَعيبها طَرحها لِلاستفتاءِ الشعبي
مِن عدمه ، فَدستور الولايات المتحدة لم يطرح لِلاستفتاءِ الشعبي بَلْ وَافق عَليه
مَندوبوا الولايات التسعة الأُوَل ، وهُو الدستورُ الذي أقر في 1779 وسبقَ عصرُهُ
بِفكرِهِ الرائد المتقدم والذي أخَذَتْ عنه دَساتيرَ دولٍ عَديدة . أمّا القول بأن
الدستور لم يُلبي مَطالب العدالة الإجتماعية ، فهُوَ إدعاءٌ خَاطئ ، فقد أوردها
الدستور في المادة (20) و (39) و (44) و (46) و (47) . أمّا مَسألة الشريعة
الإسلامية ، فقد نَصّ الدستورُ علي مَدنية الدولة مِثلمَا كَانَتْ مِصر تَأمل أنْ
تُحققهُ ، الدولةُ المدنية لَيست دَولة لا دِينية أو كافرة ، إنما هِي دَولةٌ يَحفَظُ
فيها كُل مُواطن تَعليمات دِينِه في قَلبِه ، ثُم يُصَوِّتُ النائب في المَجالسِ
النيابية وِفْقًا لِعقيديته دون أنْ يُخبِرنا بِأن النصّ مُطابقٌ أو غيرَ مطابقٌ لِعقيدتِهِ
، فيصدر القانون إقرارًا كانَ أو رَفضًا دونَ دخولِ الأمة في جَدلٍ عقائديٍ يُثيرُ
الخلافَ ويُفرقُ الأمة ؛ وهُو أمرٌ مَحمود وقَد تَقَدّمَتْ بِهِ الدول الأوربية والديمقراطيات
المستقرة منذ قرون . ومُعظم ما ذكرتُه هُنا كُنتُ قَد كَتبتُه مِرارًا أثناء إعداد
الدستور المصري ، إلا أن المسئولين في مصر لم يُعيروهُ إلتفاتًا ؛ وفيما يَبدو فَقد
أخَذ الإخوة في تونس بِمعظمِهِ .