Wednesday, February 19, 2014

مصر تتخذ من الاناركية أسلوبًا للحياة

مصر تتخذ من الاناركية أسلوبًا للحياة
الأناركية هي فكرة بِناء مُجتمع جديد مِن داخل قِشْرَة المجتمع القديم . وكانت قد نشأت مِن رَحِم الثورة الفرنسية 1789-1815 ، وهي تَعتمد أساسًا علي فِكرةِ حُرية كل فرد منفصلًا عن الضوابط اللازمة لِتشكيلِ مجتمع . والكلمة أصلًا يونانية تتكون مِن مقطعين آن – آركوس ، وآن معناها دون ، أمّا آركوس فمعناها سُلطة فَتكون الكلمة معناها دُونَ سُلطة . وقَد شَرحها قاموس أكسفورد بأنها "حالة من غياب النظام نتيجة عدم وجود رقابة للحكومة " ، أمّا قاموس ويبستر فقد أورَدَها كالآتي "حالة من الارتباك أو الفوضي ، مُقترنة بالعنف في السلوك ، في خلالها َيكون الشعب في دولةٍ ما أو مجموعةٍ ما أو مُنظمةٍ ما أو ما شابه هذه التنظيمات ، غَير مراقب من الحكومة أو القانون".
فإذا تناولنا الواقع المصري في
غياب السلطة أو القانون فإننا سنواحه بالحقائق الآتية
          شَركة من شركات التعمير المملوكة بِالكامل للدولة تَستغيثُ في جريدة الأهرام عدد 15 فبراير الجاري من إستيلاء بلطجية بِقوةِ السلاح علي قِطعة أرض تزيد علي 26 فدان علي كورنيش النيل بمنطقة المعادي وعلي الرغم مِن قِيام الشركة بِتحريرِ المحاضر اللازمة فقد تم البناءُ علي الأرض وإستصدرت الشركة قَرارات بِإزالةِ المباني ، وعلي سبيلِ الإحتراز قامت الشركة بِمخاطبة الجهات المَعنية بِتوصيلِ المرافق لِعدم تَوصيل المرافق ، إلّا أنّ المرافق تَم تَوصيلها . وكان قد سبق وأن استولي بعض أصحاب الورش علي ثلاثة أفدنة ملك الشركة بشق الثعبان بزهراء المعادي وأقاموا عليها مباني .
          وفي منطقةٍ أخري قامت مَجموعةٌ مِن الإستيلاء علي أرضٍ مِساحتها حوالي عشرة آلاف متر على شاطئ البحر الأبيض المتوسط بمنطقة الكيلو 21 مملوكة لوزارة الري ومحاطة بالأسوار المانعة وردت الوزارة على ذلك بعمل الإجتماعات اللازمة التي مازالت مُستمرة حتى اليوم ، فهل سنري علي هذه الأرض مَباني وشُقق وسُكّان بَعد أسابيع حتى تَنقلب الإجتماعات إلي إستغاثاتٍ أسوة بما تم بأرضِ المعادي .
          وترددت تصريحات عديدة للحكومة بأن سيتم تسليم أرض الضبعة التي تم الإستيلاء عليها ، إلي وزارة الكهرباء ونحن في الإنتظار .
          وعلي صعيدٍ مُختلف سادت حالةٌ مِنَ الإرتباك في أركان الدولة بعد إقرار الدستور الجديد حيث ظهر على السطح مِن خِلالِ الحاجة لإصدارِ قَانونٍ للانتخابات الرئاسية موضوعان رئيسيان الأول هو مُحاولة تحصين قرار اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية من الطعن عليه ، وكانت المادة (211) من دستور 2012 قد حصنت قرار المفوضيةِ الوطنيةِ لِلانتخابات فيما يَخْتَصُّ بِالإستفتاءاتِ والإنتخاباتِ الرئاسية مِنَ الطعن عليها بعد إعلانِ النتائج . أمّا دُستور 2014 فقد ذهب في المادة (210) ( وهي المماثلة للمادة (211) من دستور 2012 ) إلي عَدم النص علي تحصين قرار الهيئة الوطنية للانتخابات بِشأن إعلان نتائج الإنتخابات الرئاسية ، وقد أضافَ دُستور 2014 مَادة أخري وهي المادة (97) والتي نَصتْ علي حظرِ تحصينِ أي عملٍ أو قَرارٍ إداريْ مِنْ رِقابة القضاء . وهو نَصٌ جيد . ولمّا كان إعلان نتائج الإنتخابات لا يخرج عن كَونِه عملًا أو قرارًا إداريًا ، فهو بالتالي غير مُحصنٍ مِن رِقابة القضاء . إلّا أنّ أعضاء الهيئة القومية لِلانتخابات أثاروا مَوضوعًا هامًا ، وهو أنّ وجهة نظر الأمانة العامة للجنة العليا لِلانتخاباتِ الرئاسية التي نقلها للأهرام في 17 فبراير أمينُها العام ، أنّه لا يَجوز تسليط قضاء أقل علي قضاءٍ أعلي ، مشيرًا إلي أنّ اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية هي هَيئةٌ قَضائية عليا لِكونِها مُكونَة مِنْ شُيوخِ قُضاةِ مصر، كما أشار إلي أنّ حَظر التحصين الذي نص عليه الدستور لا يسري على قرارات اللجنة ، إذ أنّ قراراتها قضائية وليست إدارية . وهو قولٌ جَانبه الصواب أولًا لأن النص الدستوري حظر تحصين أي عمل أو قرار وهو نصٌ يَتسِعْ لِنتائج الإنتخابات ، كما أنّ الدستور لم يَنص على أن الهيئة الوطنية للانتخابات هي هيئة قضائية ، وكان الدستور قد حدد الهيئات القضائية في الفصل الثالث علي سبيلِ الحصر ولم يشمل ذلك الهيئة الوطنية للانتخابات . ثم أنّه في حالةِ تحصينِ قَراراتِ الجهاتِ الحكومية مِنَ الطعنِ عليها ، فما هي إذًا فَائدة إستقلالِ وتحصينِ القضاء نفسه ، أفيتم إستقلاله وتحصينه خَوفًا عليه من الشعب أو مِنَ المتقاضين البُسطاء الخاضعين لِسُلطة الدولة ؟
          ولكن هل تحصين قرار الهيئة مُفيدٌ لِلوطن أم مضرٌ له ؟ . مما لا شك فيه أنّ تَحصين أي عمل هُو مِنْ شَأنِه الإقلالُ مِن ثقة الناس في النتائج ، خاصةً وأنّ الإنتخابات الرئاسية السابقة مازال النزاع قائمًا بشأنها مِنْ حيث أحقية الرئيس مرسي في الفوزِ بِالرئاسة .
          إنّ الطعن علي شرعيةِ رئيسٍ منتخب هُو الأمرُ الأسوأ الذي يُمكن أنْ يُصيبَ بلدًا ، ومِنَ الأفضل فتح باب الطعون ليفصل فيها القضاء بما يُريحُ الناس ويمنع اللغط . فَهل نحن هُنا بِصدد تطورِ الأمور إلي نزاع بين القضاة بعد أن حَصلوا مِنَ الدستورِ علي ما يَأْمَلونَ فيهِ من حُقوقٍ وضمانات ؟ . وهل يُمكن بِالتالي لِأطرافِ الحُكومة أن تنزل إلي ساحةِ النزاع الذي تَقودُه الأناركية ضِدّ السلطة ، فتنقلب الدولة إلي التعامل مَع بَعضِها بنفس الأسلوب الذي تتعامل بِه الأناركية المصرية مع الدولة ومع الشعب .
          أمّا عَنْ مشروع قَانون الإنتخابات الرئاسية المَنشور ، فأنني أرجو أنْ تُراجع اللجنة قبل إصدار القانون الفقرة السابعة من المادة (18) فيما يخص الجمعيات والمؤسسات الأهلية ؛ والمادة (22) فيما يَخص تَوزيع الأرصدةِ المتبقية لدي المرشحين بعد إعلان النتيجة . أما المادة (34) والتي نَصت علي أنّ الطعن علي القرارات الصادرة من اللجان العامة يكون أمام لَجنة الإنتخابات الرئاسية دُونَ غَيرها ، فيما يشير إلي بعض التعارض ، فإنه بالتالي يجب إزالة كلمة "دون غيرها" من النص . كما تجدر الإشارة إلي أن النص المنشور علي جريدة المصريون وبَوابتِها الإلكترونية بِه العديد مِنَ الأخطاء الإملائية واللغوية ، أتمني أن تكون من صنع الجريدة وليس من صنع لجنة الصياغة .
          وفي دائرةٍ أخري ، في مؤتمرٍ صحفي أوردت وَقائِعه جريدة المصري اليوم يَتهم فِيهِ رئيسُ الجهاز المركزي للمحاسبات أعضاءَ النيابةِ بالإستيلاءِ علي نَحوِ 35 فدانًا بالحِزامِ الأخضر بِمدينةِ 6 اكتوبر بِالمخالفةِ لِلقانون ، واسترسَلَ بِأنّهُ تَلَقّي تَهديدًا مِنَ النيابةِ العامة ؛ ولاعَجب .
          أمّا في مَواضيعِ الإضرابات فَحَدِّثْ ولا حَرَجْ ، وقد إنتقلت إلي اركان الدولة بِما يَفوق في سُرعة إنتشارِهَا علي أنفلوانزا الخنازير بمصابِيها وضَحاياها ، فإنتقلت مِن شركاتِ الغزل والنسيج إلي الأطباء إلي الحديدِ والصُلب حتي وَصَلتْ إلي الشهر العقاري .
          فهل يمكن أن نطلق علي هذا الأناركية المصرية ؛ وإن لم يكن ، فبماذا يمكن تشخيص الحالة .


No comments:

Post a Comment