مِصْرُ تُحَدِّثُ مُرَشّحَاهَا
دائما ما تأتى الإنتخابات الرئاسية مرتديةً
لِباس العُرس ، فتأخذ البلاد زينتها ، ويُخَفِّفُ الأمن من قبضتِه فَيسمح بِالقليلِ
المُفيد مِنَ التّجاوز ، والناس يراوِدُهم الأمَلُ والنّشْوة وكأنهم سُكارى وما هم
بِسُكارى ، والسُّلطةُ مبتسمةٌ وكأنّهم يُعيدونَ إلى الشعبِ السُّلطة ، ثم لا يَلبثوا
أنْ يستردوها مرةً أُخرى بعد إعلانِ النتيجة .
ولكنّ الأقدار شاءت أنْ تَدْخُلَ مصر الإنتخابات
هذه المرة لابِسةٌ لِباسَ الحزن ، فَلا زينةٍ ولا أفراح ، وإنما حُزنٌ فيما يُشبِهُ
البكاء ، وتَراشقٌ بالألفاظِ والعِبارات ، بَينَما المُرشحون فى حالةٍ نادرة من دَمَاثَةِ
الخُلق ، حتى أنّ أَسْلَطَهُم لسانًا ، فى نَدوةٍ منذ أيامٍ معدودة لم يَخرج فيها
العَيْبُ من بين شفتيه ؛ بَينما المؤيدون فى حالة إستنفارٍ عَصبى ، يتنازعون
الساحات لمرشحيهم بالقولِ ، الذى نأمل أن لا يصل إلى حدِّ الفعل .
والحَملة فى مُجملِها قد لا تجاوز المطبعةُ
والتلفزيون ، فهى قصيرةُ المُدة ، تَتسِمُ بالحذر الشديد من الأمن والمرشحان ، وقد
يرقى أحيانا الحذرُ إلى التربص .
وفى وسط هذا كلة يُحَدِّثُ الشعبُ مُرشحَاه
بطلباتٍ تراها فى عين كلٍ منهم دون أنْ يلفظَ بِكلمةٍ واحدة ، فى صمتٍ تَراهُ يَسبقُ
العاصفة ، فيما يبدو الفُرصَةُ الأخيرة لحاكمٍ للوطن أنْ يُحْسِنَ العمل من أول
يومٍ لَهُ ، فلا يقدِّمُ له الأعذار عن تردى الأحوال ، حتى وإنْ حدَّدَ له المسئولُ
عنها ؛ وإنما يُقدمُ لَهُ كلَّ يومٍ من أعمالِه التى حَسّنَتْ حالًا من أحوالِ
المواطنين . والحديث هنا للنتائج لا الشعارات مهما كان بريقُها .
ويخدعُكَ مَنْ قَالَ لك اخْطُبْ الرئيسُ
القَوىّْ ، فأنّ قُوتهُ سَتَفرِضُ الهدوء والأمن ؛ فَاعْلَم أنّكَ قوىٌ ما دامَ
الحقُّ ظهيرًا لك ، والعدلُ بِيَمينك ، والرَّحمَةُ بِيسارك ؛ واعلم بِأنّه إنْ سَقَطَتْ
إحدَاها زَاغَت القُّوة معها .
إنّ الإقتصاد أصبح عِلمًا متسع الأطراف ،
خطير الأثر ، وقد مضى زمنٌ قال فيه أحدهم أنّهُ قرأ كتابين فى الإقتصاد فأصبح
خبيرًا إقتصاديًا ؛ فلا بديلَ عن الإستعانة بِالخبراء ، مع عدم فرض أو تحديد
أيديولوجياتٍ سياسية عليهم تعلو على قرارهِم العِّلمىّْ ، بحيث يكون الإصلاحُ
للإصلاحِ وليس للسياسةِ .
إنّ الحريات العامة والخاصة هى السبب المباشر
فى إطلاق إبداعات البشر ، وهو تحديدًا ما تحتاجه مصر اليوم ، وليس غدًا .
الحرياتُ هى ما تَقَدمَتْ به الدول المُتقدمة
، وهِىَ ما إنزلقَتْ بِفُقدانِها الإمبراطوريات العظيمة فى العالم ، وهى نفسُها ما
تَقدمَتْ بها مِصر فى نِهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، ويكفى أنْ يُعدِّدَ
كلٌ مِنا فى بَالِه الهَامَات العالية من المفكرين والأدباء والصناع والفنانين فى
هذه الفترة ؛ وهى نَفسُها مَا تَأخرت بِه مصر بفقدان الحريات فى النصف الثانى من
القرن العشرين . أمّا العُنف والقهر فهو عدوُ الآدمية الأول من قديم الأزل ، وما
إتخذته أمةُ سبيلًا إلّا وهلكت ؛ وقد تَجدر مراجعة السنوات الثلاثة الأخيرة من التجربة
المصرية ليَتضح لنا أنّ من يتمسك بهما لا ينجى .
ليسَ الحلُ بهما ولا حتى بِالوِفاق والمُصالحة
، إنما بالإقتصادِ وحده تهدأ الأمور ، وينطلق كلٌ إلى هَدفِه وصَالحِه وصالح أسرته
، فيصبحُ محركًا لتقدمِ الأمة .
هذا ما تُحَدِّثُ بِه مِصر رئيسها المقبل
.
No comments:
Post a Comment