مصر ألأمل والحلم
الأمل والحلم والخيال ، كلماتٌ حَرَّكَتْ الجبال على مر
التاريخ . فالأمل هو ما يحدو الرجل الذي يمارس الحياة العملية ، فيبنى خطوة بعد
خطوة ، وطوبة بعد طوبة ، حتى يعلو بناءه ، وكلما علا بناؤُه دورًا نما أمله فى
الدور التالى . أما الحلم فهو يراود نوعان من الرجال ، أولهما فَنانٌ ذو بَصَرٍ
وبصيره ، وله يَدٌ قوية مُنجِزة ، والآخر لا يملِك من القدرة ما يدفع به حياته
خطوة إلى الأمام ، فيكونَ حِلمُهُ خَيال لا يغنى ولا يشبع من جوعٍ ، مهما صَغُرَتْ
آفاقُه أو عَلَتْ ، فهى لا تتعدى أُفْقَ الخيال .
وطالما راودني الأمل في أن أرى صناعة الغزل والنسيج المصرية
تعود إلى ريادتها في العالم ، فقد نَشأتُ فى رُبوعِها حيث كان أبى أحد قياداتها ،
فَجَرَيْتُ فى حدائِقها غُلامًا ، وزُرتُ مَصانِعها رفيعةَ البناء جليلةَ الأثَر
شابا ، وكيف أنّ قَليلَ العديدِ من العمالِ رفعَ شأنها على دول أوروبا ، فَظننتُ أنّها تُؤسِّسُ فى الأرضِ وتَغْرِسُ
للآخرين الثمر ، ورَجُلًا شَهَدتُ كيف وَهَى عَظْمُها وسقط . فموقفها الحالى شديدُ
السوءِ عَصِىُّ الحلِّ ، فى حين يعتمد عليها مئات الآلاف من أُسرِ عُمالها ، وتَبَارَتْ
الحكوماتِ المختلفة فى بيعِ أراضى تلك الشركات البائسة .
ورُحتُ أحلُمُ بها
وقد أصبَحتْ مناراتٌ للصناعة ، ولكن كيف السبيل وهى يلزَمُها عَمالة مدربة ،
ماكينات حديثة ، ويلزم زيادة أحجام الشركات لتُماثِل حَجْم الوحدة الإنتاجية
الاقتصادية حتى تُنافس أسعار السوق العالمية .
وحتى لا يَنقلبَ الحلمُ إلى خَيالٍ فكان لابد من التفكيرِ فى
خطواتٍ تنفيذية للحل . فوجدت الخطوات ما أسْهَلها إذا نظرنا إلى كيفية إنشاءِ هذه
الشركات . فَقد بَدَأَتْ بِمشاركةٍ ، بين أحَد أهَمّ الإقتصاديين
فى تَاريخِ مِصر ، رجلا ذو حلم عظيم ، وسَاعدٌ قوىٌ لتحقيقه ، هو طلعت حرب باشا
بِواسطةِ بنك مِصر الذى أنشأه ، وبينَ أساطِينِ تِلك الصِّناعات فى بِريطانيا فى
هيئةِ شَركاتٍ مساهمةٍ سَاهَمَ فيها المصريينَ بِمعظمِ رَأسِ المال ، وسَاهم كُلٌ
مِن بنك مِصر والشُرَكاء الأجانب بِبَعضِ رأسِ المال ، وجاء ذلك كُله تحت مِظلةِ
شَركاتٍ مُساهمةٍ مصريةٍ يَتم التّداول على أسهمها بِالبورصَةِ المصرية ، وتَولّى
الجَانِب البِريطانى الإدارة الفنية بدايةً حتى تَمّ بِناءُ الكَوادر الفنية
المصرية التى إستمرت فى إدارة هذه الشركاتِ بنجاحٍ بَعد إنسحابِ الكوادِر الأجنبية
الواحد تلو الأخر . ومَع تَأميم الشركات ، هكذا إنقلب الحلم الى رؤيا ثم إلى حقيقة
؛ وبعد فَترةٍ زمنيةٍ ثَبَتَتْ الشركات على وَضعِها بَيْنَما تَطَوّرَتْ الصناعة
فى العالم حتّى أصَابَ صِنَاعَتِنَا التّخَلفَ الذى نراه .
فهل هذا أمرٌ من الصعب تَحقيقه ؟ كم رَاودتْ مِصرُ أحلامُنا ،
أولُهَا قديمٌ لا نعلمه ، ولكننا نعلم آخرها وكانَ تحريرُ أراضينا المُحتلة على
أكتاف رَجلٍ حَلُمَ فراودته رؤيا ثم عَزَمَ على تَحقيق الحُلم ، فَجَمعَ مِنَ
الرجال الخبراء من يشد أذره ، وبالعلم والجهد والتصميم تحقق الهدف . فهل من يحقق
لنا هذا الهدف ، فَلَعلّ الأحلامُ أن تنتشرَ فى رُبوعِ الوطن، الواحد تلو الآخر ، ولا
تتحول أحلامُنا إلى خيال .
No comments:
Post a Comment