الوضع الحالى
فى الوطن أصبح خطيرا للغاية . ولا يبدو أن المسئولين عن المشهد السياسى يدركون
ترديات الوضع الحالى .
إذا تناولنا الموقف بالدراسة نجد أن
محمد مرسى فقد الشرعية ليس فقط نتيجة حشود المظاهرات التى تطالب بسحب الثقة عنه ،
وإنما أيضا بأنه على ألارض أصبح لا يستطيع التوجه الى مكتبه لمباشرة عمله فأصبح
أشبه ما يكون بالمطاريد ، وأيضا نتيجة إستقالة كثير من المساعدين والوزراء
والمحافظين ، وأيضا نتيجة الخلاف القائم بينه وبين وزارة الدفاع والعدل ، ولتخلى
الشرطة عن دعمه ، ولكن السبب ألاكثر تأثيرا هو أزمة الميزانية التى بدأت بعجز يصل إلى
200 مليار جنيه وإذا أضيف إلى ذلك أقساط وفوائد القروض المستحقة خلال السنة
المالية وألتى قد ترفع هذا العجز إلى 340 مليار وإذا أضيف العجز المتوقع فى
ألايرادات ، خاصة وأن الشركات الوطنية شبه معطلة عن العمل فكيف لها أن تدفع ضرائب
، وإذا أضيف إلى ذلك أن إرتفاع سعر الصرف للدولار يضع أعباء إضافية على مخصصات الدعم
لا يعلم أحد مداها ، وبهذا ألاسلوب تبدأ موازنة العام الجديد بعجز قد يزيد عن 50%
من مصروفات الحكومة . وهذا الوضع فى مجمله غير مرشح للاستمرار بهذا الشكل .
وإذا نظرنا إلى الطرف الاخر من المعادلة
وهو القوات المسلحة ، فإننى أحذر من الترحيب بما يفعلونه إستنادا إلى الظن بأنه
يكفى أنهم يقفون معنا ضد سلطة محمد مرسى ، إنما ينبغى الحكم بطريقة موضوعية على
أفعالهم السابقة وخططهم المستقبلية . فإذا نظرنا إلى أفعالهم السابقة نرى إنهم
أعطوا مهلة للرئاسة أسبوعا لحل الموقف السياسى ، وانتهت المهلة فى الموعد المحدد
للمظاهرات فى نهاية يونيو ، حيث خرج الشعب فيما يشبه الملحمة حتى كان عنوان الخبر
ألاول لاحدى المحطات ألاخبارية العالمية وصفت المظاهرات بالاضخم فى التاريخ وحددت
أن 20 مليون مواطن خرجوا لطلب انتخابات مبكرة ، وأيدت ذلك أغلب الدول الحرة حتى أن
الولايات المتحدة ، رغم صلتها بالسلطة ، طلبت صراحة من ألادارة المصرية تنفيذ
طلبات المواطنين وأضافت أن الديمقراطية ليست فقط الصناديق إنما تتجاوزها إلى إرضاء
المواطنين . هذا كان المشهد مساء يوم 30 يونيو يوم انتهاء المهلة . فخرجت القوات
المسلحة ، بدلا من أن تنهض إلى مسئولية ما حددته فى بيانها ألاول ، فتراها تعطى
مهلة جديدة فيما يظهر أنهم غير قادرين على التنفيذ . من غير المعقول فى هذا الوضع
أن تعطى مايكروفونات بعد المهلة المحددة ، وإلا فما كان يجدر بها أن تصدر البيان
الاول . فإن إعطاء المهلة الثانية مع ترك هذه الميكروفونات فى أيدى المهددون يؤدى
بالضرورة إلى أعمال العنف الذى لا يعلم مداه أحد . وكان ألاجدر بهم أن يراجعوا ما
أتاه الرئيس أنور السادات فى ثورة التصحيح ليجنب البلاد مثل هذا الانقسام الذى
سنعانيه ، وأن يتخيل أحدكم لو كان شعراوى جمعة أو على صبرى أو محمد فوزى ليصنع لو
كان بيده ميكروفون فى 15 مايو .
ثم من جانب آخر إذا ناقشنا خارطة الطريق
التى طرحتها القوات المسلحة ، فإننا نجد أنها
مشابهة تماما للفترة الانتقالية السابقة على إنتخاب الرئيس محمد مرسى ، وهى فترة
إنتقالية طويلة ، ومرشحة للزيادة إذا ما قَيًّمنا ما هو مطلوبٌ عمله فى غضونِها .
وقد عاب الفترة الانتقالية السابقة ، كطابع الفترات الانتقالية جميعها ، أن
المسئول عنها لا ينظر إلى ما بعدها ، ويكون مستعدا للتضحية باموال أو مزايا حتى
تمر فترته الانتقالية على خير دون النظر الى ما بعدها ، فانطوى الموضوع على صرف
نصف الاحتياطيات النقدية لمصر فى الفترة الانتقالية الاولى ، خاصة وأن محمد مرسى منذ
إنتخابه وضع البلاد فى مرحلة إنتقالية ثانية هدفها التمكين للجماعة فصرف ليس فقط
باقى الاحتياطيات النقدية ، بل تجاوزها إلى الاقتراض من الدول ومن الداخل ما
سيسدده أبناؤنا فى الاعوام القادمة وهو أمر سيئ ، فليس أحقر ممن يقترض من أبنائه .
إلا أن الفترة الانتقالية الثالثة المقترحة فى خارطة القوات المسلحة ستجهز على
البلاد حيث أنه حاليا لا توجد احتياطيات لهذا الشهر فضلا عن التسعة اشهر المقترحة
فى الخارطة .
لذا فإنه يتعين تسليم سلطة البلاد إلى إدارة منتخبة فى أسرع
وقت ممكن حتى تتحمل تلك الادارة المسئولية عن التنمية ويمكنها تغيير ايديولوجيات
الحكم والخروج بخطة طويلة الاجل للاصلاح ، أما إذا دخلنا فى فترة إنتقالية جديدة
فإن عجز الموازنة ونضوب الاحتياطيات سيتسببان بالضرورة فى عجز الحكومة عن الوفاء
بمتطلبات الحياة اليومية للمواطنين ، ولا يخفى على أحد خطورة هذا الموقف .
إن الحكم على القيادات عموما لا يكون
بتاييد من نحب أو من نظن أنه فى صفنا ، فكم سقطت من امم بمثل هذا التقييم ، ولكن
ألاجدى دراسة الخطط التى تعلن وأن نتابع تنفيذها بصفة يومية خطوة بخطوة .
وعموما تكون أفضل ألاوضاع التى أرشحها
لعبور الموقف الحالى هو إلغاء دستور 2012 والعودة لدستور 1971 مؤقتا بعد تعديل بعض
صلاحيات رئيس الجمهورية . ثم يتولى الرئاسة رئيس المحكمة الدستورية طبقا لاحكام
دستور 71 التى نص عليها الدستور فى حالة عجز الرئيس المنتخب عن ادارة البلاد ، وأن
تجرى إنتخابات فورية لرئيس الجمهورية وفقا للدستور ويتولى المسئولية رئيس تكون له
فى هذه الحالة مصلحة فى إصلاح الوطن ، ولا يوجد مبرر للخوف من طغيان الرئيس فإن
دستور 71 يحوى ، على خلاف دستور 2012 ، على آليات لتنحية الرئيس ويمكن تحسينها إذا
لزم ألامر.
عبد
السلام الشاذلى
No comments:
Post a Comment