تعليقا علي مقال السفير عبد الؤوف الريدي
المنشور بالأهرام عدد 26 مارس 2014
سيادة السفير عبدالرؤوف
الريدي
يطيب لي
أن أتقدم لكم بالشكر والتهنئة علي مقالكم بجريدة الأهرام المشار إليه ؛ فأما
التهنئة فهي علي السَردِ السلس لأحداثِ السياسةِ الخارجية المصرية ، وهو علي الرغم
من أنّه سردٌ تاريخي لوقائع محددة ، إلا أنه يُظهِرُ في خَلفيته فِكركم السياسي ،
شاملًا ما نصحتم به ، وما وافقتم عليه ، وما عارضتموه من قراراتِ أصحاب المسئولية
العليا .
ومن فرط
إعجابي بالمقال أحببت أنْ أُعلق علي موضوعين اثنين فيه . فأما الأول فهو جَرْأةُ
الرئيس السادات في قراراه الذي غامر فيه بدأً من تطوير الهجوم وما تلاه منَ الثغره
، وإنتهاءً بأن أخذ علي عاتقِه تَحريك القضية عن طريقِ صدمةِ زيارته لإسرائيل
لإحراج السياسة الإسرائيلية ، بعد أن وضع ثقته في الرئيس الأمريكي كارتر .
ولا يُمكن
لنا أن نلوم الرئيس السادات علي شيءٍ بعد أن حقق الهدف المطلوب كاملًا غير منقوصٍ
، ولا حتي أن نُحاول تَصور خُططًا بديلة كان يمكن أنْ تأتي لمصر بما هو أفضل ، حتي
ما ناقش فيه البعض بشأنِ الثغره ، بأن أسندوا إليه الخطأ بتطوير الهجوم ، ثم
يذهبوا إلي سرد سيناريو أخر أفضل ؛ ولكنه سيناريو افتراضي لا ينهض الي مستوي
الحقيقة التي حصلت مصر عليها فعلًا . فما بالنا مثلا لو كان - حسب أفضل السيناريوهات
- الوضع قد ثبت علي موقفٍ تُسيطر فبه قواتنا المسلحة على 15 كيلو متر شرق القناة ،
ولا يوجد أي جندي إسرائيلي غرب القناة ؛ فإن هذا السيناريو كان سينطبق عليه قول
السفير الريدي بأنه " يفضي إلي حالةٍ من الإنتظارِ لحربٍ أخرى قادمة " .
أمّا ما أتي به السادات فكان حلا شاملًا مُنهيًا لحالةِ الحرب بين البلدَيْن ،
مستردًا لكاملِ أرضِ الوطن ، تحريرًا كان أو إتفاقًا أو تَحكيمًا ، ولا يسعُنا في
هذا المجال إلا أنْ نَشعرَ بالأسي أنّ الدول العربية لم تَمشى مَعهُ في نفس هذا الطريق
فتحرر أراضيها بالمثل .
وأما
الموضوع الثاني الذي أُعجبتُ به في المقال فهو الفقرة الأخيرة والتي حدد فيها أننا
في لحظةٍ فارقةٍ أُخري لا سبيلَ لِمصر فيها سوي ببناءِ نظامٍ ديمقراطي . وكنت أتمني
لو ربط الموضوعين فأظهر كيف أنّ الديمقراطية هي السبب المباشر في تقدم الأمم ، لأن
القرارات التي تؤخذ بواسطة فرد أو نخبةٍ من الوزراء قليلًا ما ترقى إلي مَصافِ
القرارات الصحيحة التي تسببُ تقدم الأمم ، أما القرارات التي تؤخذ من جموع ممثلي
الشعب وكاملِ إرادة الوطن تكون صحيحة في السواد الأعظم منها ، ومنتجةٌ لآمالِ وتطلعاتِ
الوطن . فإنّ الحرية والديمقراطية وإعلاء حقوق الإنسان هي الشرارة التي تُطلق
إبداعات الأمة ، فتنتقل بها من وضعِ دولةٍ فقيرة ، قليلة العلمِ والعلماء ، قليلة
الأدبِ والأدباء ، عشوائية التنظيمِ ؛ إلي دولةٍ حديثةٍ منطلقة إلي العُلا ،
متسلحةٌ بِالعلمِ والنظام ، تُنيرُ عُقولَ شعبها فتسحب عليهم السعادة والرخاء .