ماذا تَرجو مِصرَ مِن رئيسِها الجديد
بعد طولِ إنتظارٍ لما كان يُمكن أنْ يتم منذ ثمانية أشهرٍ
، تقدم المشير باستقالته ليتقدم لساحة أخري في خدمة الوطن ، مشفوعًا بدعواتنا
الصادقة ، وتمنياتنا المُخلصة أن يُوفق في أنْ يَدفع بِالأمةِ إلي الإستقرارِ
والرخاءِ والتقدم ، لأنّ البديلَ لهذا وَخيمُ التبعات ، خَطيرُ الأثر، طويلُ الأجل
، لا يتحمله هذا الجيل فضلاً عن ما قد يُصيبُ الجيلَ القادمِ من تبعات .
وإنْ
كنتُ أتوجهُ بالمقالِ للمشير ، فهو باعتبارِه الأوْفَرُ حظًا في الفوزِ من بين
الأسماء المطروحة علي الساحة حاليا ، إلا أنني أعني بها بالدرجة الأولي كل
المرشحين المعلومين والذين مازالوا في علم الغيب ، حتى تتفق بَرامِجُمهم مع تَطلعاتِ
الوطن .
وقد
يجدر بدايةً أنْ نُراجع حالُ الإستقرارِ في الوطن حاليًا حتى يمكن أن نتصور ما هو
المطلوبُ تحقيقه . فبداية يجب أنْ يكونَ معلومًا أنه بِغَيْرِ إستقرارٍ فلا يمكن
لمصر أن تتقدم ، فالخزانةُ العامة في حالة مرضٍ وإرهاقٍ شديد ، الاقتصادُ إستهلاكيُّ
النمط ، يَستكملُ إحتياجاتِه بالاستيراد ، ويستكملُ ميزانيتِه بالإقتراض المتنامي .
وقد يَحسن مقارنة حال الاستقرار على مدى السنوات السابقة باعتباره خُطوةٌ أولي
لازمة نحو نهضة الإقتصاد ، ثم مقارنة الإستقرار بالحالة الاقتصادية في الفترة حتى
يتضح لنا الطريق الذي يجب أنْ تسلكه الإدارة الجديدة .
وبدون
معلومات واضحة معلنة من الجهات المصرية المختصة علي صورة إحصاءات ، فقد لجأتُ إلى
التقارير الدولية المختلفة للحصول على بعض الأرقام والمعلومات ، وهي وإن كان يمكن
أن تكونَ غير دقيقة أو متجاوزهٍ إلي حدٍ ما ، فهي بالتأكيد تعطي مؤشرًا عامًا بتجاوز
الأرقام في بعضِ الإتجاهات للحدودِ المقبولةِ المطلوبة لإستقرار البلادِ عمومًا .
في خلالِ
حكم الرئيس عبدالناصر تم إعدام 12 عضوًا من أعضاءِ الأخوان في واقعتين الأولى عام
54 والثانية عام 66 ، وذلك بعد العفوم عن عضو واحد كان محكومًا عليه بالإعدام أيضًا
، بينما تم إعتقال في الواقعةِ الأولي حوالي 700 قيادي إخواني ، وقد بلغ عدد
المعتقلين في الأحداث بنهاية عام 55 في أحد التقارير الدولية إلي عشرين ألف معتقل .
وفي
فترة حكم الرئيس السادات كانت الإعتقالات غير محدودة في الأخوان إنما شملت مئات من
آخرين من شيوعيونَ وليبراليونَ واشتراكيونَ ووفديون ورجال دين ؛ بحيث لا يمكن
الحكم عليها سوي بأنها موجهة لترسيخ قواعد الحكم بدعوي الإستقرار ، إلا أنها أتت
بعكس ذلك تمامًا وانتهت باغتيال الرئيس في واقعة لا تحتاج إلي تعليق .
ثم جاءَ
دورُ الرئيس مبارك الذي إتخذ خطواتٍ رشيدة في بداية حكمه ، ودون إجراء حوارات أو
مصالحات ، أفرج عن المعتقلين ثم بدأ في إجراءاتِ بنيةٍ تحتيةٍ ناجزة كان لها أثرًا
عظيمًا في التغلب على قلاقل الثمانينات بأن أوجدت وظائفا في البنية التحتية تَخصُّ
الفئة الأشد فقرًا في المجتمع وهي العمال . حتى أتت علينا قلاقل التسعينات ؛ وعلى
الرغم من هزيمتها بالطرق الأمنية ، إلا أنها أتت بمجموعةٍ من القوانين السُّلطويةِ
المُقيدةِ للحريات التي رَوَتْ بُذُور حالة عدم الإستقرار التالية .
إلي أن
وصلنا إلي أحداث 25 يناير وملا تلاها ، وظهر تَخبط الحكومة في إتجاهاتها في
البداية ، من إعتقالاتٍ وإفراجاتٍ حتى أحداث 30 يونيو ؛ وأظهرت التقارير الخارجية المنشورة
خارجيًا أنّ عدد القتلى تجاوز 2500 والمصابين
17000 ، في حين أنّ المقبوض عليهم بلغ 16000 . وبَينتْ بعض التقارير أنّ قتلي
التظاهرات 2528 مدني و59 ضابطًا وجنديًا واحدًا ، بينما وقائع الإرهاب قتل فيها
150 ضابط و74 جندي و57 مدني ؛ وإن عدد التظاهرات بلغ 1100 مظاهرة وعدد العمليات
الإرهابية 180 عملية . وإن المتحتجزين في مظاهرات 16387 منهم 2590 قياديًا أخوانيًا
.
وهذا
ملخص ما تداوله المواقع الالكترونية الحقوقية ، وبالإضافة إلى موقع ويكي ثورة الذي
نشأ بعد 30 يونيو . وذلك بالإضافة إلي الخطاب السيئ الذي تم توجيهه من الدنمارك وسِتًّا
وثلاثون دولة أوروبية بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية واليابان إلى السيد
رئيس الجمهورية والمحرر في 7 مارس 2014 والمنشور على موقع مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة .Denmark and 36 nations letter to the president
والسؤال الذي أطرَحُهُ الأن وبَعد كُلُّ هذا علي الرئيسِ
الجديد الذي سيتولى المسئوليةَ قريبًا ؛ ليس هو إذا كان المزيدُ من إستخدام القوة
والتجاوز في حقوق الإنسان سيأتي لمصر بالهدوء والاستقرار المطلوبَيْنِ لِتقدمِ حَالُ
المواطنين ؟ ؛ وإنما السؤال الذي سأطرحُهُ هو هل هذا الإستخدام للقوةِ والتجاوز
الذي رأيناه في الأيامِ الأخيرةِ قد أتي فعلاً بالنتيجةِ المطلوبة ، أم أنَّ حال
الهدوء والإستقرار تنزِلُ مِنْ سيءٍ إلي أسوء .
فإذا
كانت الإجابة هي تلك التي أظُنُّها ، فإنّ المطلوب هو أيديولوجية جديدة لإدارة
الوطن . والرأي عندي أن تلك الأيديولوجية يجب أن تعتمد أساسًا علي إعلاءِ حقوق
الإنسان وقِيَم العدل في المجتمع بما يُطابقُ إشتراطاتِ الدستور المصري ، إنْ لم يَعْلو
عليها ؛ فعلي مثل هذه القيم تقدمت الدول وعلا شأنُها ، وعلي عكس هذه القيم تخلفت
الدول وإنزلقت من الإستقرار إلي الفوضي .
فإنّ فتح
الباب لِتجاوزٍ واحدٍ ، سُرعانَ ما يأتي بِموقفٍ يَلزمُه تجاوزًا آخرا ، وسرعان ما
ينتهي البابُ الي شارعٍ ، ثم إلي طريقٍ سريع ؛ فإذا ما أرسلت شُرَطِيًا بعد ذلك
لتنظيمه ، فسرعان ما تجده صريعًا تحت
عجلات سياراتِهِ المستهترة .
مقالة جميلة
ReplyDelete