Sunday, November 24, 2013

صناعة الغزل والنسيج بين البيع والإصلاح

صناعة الغزل والنسيج بين البيع والإصلاح
     طَالعتْنا صَحيفة الأهرام اليومية فى عدَدِها الصادر فى 20 و 21 نوفمبر 2013 من خلالِ إجتماعِ  مجلسِ الوزراء بشأنِ بيعِ أصُول شركات الغزل والنسيج لِسدادِ مديونياتها ، وكان يَجْدُر أن يَكونَ عُنوانُ الخبر هُو إصلاحُ شركاتِ الغزل والنسيج ، تِلك التّى كَانت رَائدةً للصناعاتِ المِصريةِ فى وقتٍ سَابق . ومن المُؤكد أن بَيْع أراضى الشركات لا يُعدُ إصلاحاً لها ، بل قد يَكون فِيه القَضاء على هذه الصّناعةِ العَريقة فى مِصر .
     ولِلنظر فى إصلاح تِلكَ الشركات يَلزمُ أولا تَحديد الأسباب التى أدّتْ إلى إنهيارِ الصناعة ، والتى يُمكن تَلخيصُها فى ألأتى : مَاكيناتٍ قَديمةٍ يَلزمُ لِتشغيلِها عَدَدٌ أكبر مِن العُّمال - عَمالةٌ غَير مدربةٍ ، وأعدادُهم أكبر من المطلوب - كَوادِرَ إداريةٍ ضعيفة - المُنتجات المطلوب إنتاجِها أغْلَبُها يَعتمد على التّغيير ويَلزم أنْ تُواكب الموضة ، بينما لا تَحتوى الشركات على كوادرٍ قادرةٍ على عَمل تَصميماتٍ متطورة - مَخزون كبير مِنَ المُنتج النِّهائى بِلا طَلبٍ بالآسواق .
ويَلزمُ تَصويب جَميع هذه الأُمُور حَتّى تَنصلح الشركات ، والمطلوب هو :
1-   عَمالة مُدربة تَعمل بِكفائة ، لذلك يَجب تَجهيز مَعاهد التدْريب لِرفع كَفاءةِ العمال ، كَما يلزم بِالضرورةِ تَغيير قانون العمل بِحيثُ يُصبحُ إستمرارَ العاملِ فى عَمَلِهِ مُتوقِّفٌ على إنتاجِهِ مِنْ كَمٍ وكَيْف ، فإن عَقد العمل الحالى لِيْسَ مِنهُ مَخرجاً ، وإجراءات الفَصْل مُعَقّدَةٌ جِداً ، وهى السبب المُباشر فى تَفَشى الإهمال .
2-   صِناعة الغزل والنسيح هى فى الواقع صِناعاتٍ عَديدةٍ ، فمنها الغزل ، ومنها النسيج ، ومنها إنتاج أنواع الخيوط المختلفة ، ومِنها الخامات المختلفة اللازمة للطباعة ، وِمنها الصِّباغة والتحهيز ؛ ولكلٍ مِنْ هَذِهِ الأنواع وِحدة إقتصادية من حَيثُ حَجم الإنتاج . وقد تَزايدَ فى الأعوامِ الأخيرةِ حَجم الإنتاج للوحدةِ الإقتصاديةِ بِحيثُ أنّهُ لو قَلّتْ كِميةُ الإنتاج عن الحجم الإقتصادى ، فإن مَعنى هَذا إرتفاع تَكْلُفَةُ المُنتجِ عن مَثيلِهِ فى الأسواقِ العَالمية ، وهو ما يَعمل لَيسَ فَقط عَلى ايقافُ عملياتِ التصدير ، بل ويُزيدُ من خَسائرِ الشركات ، خَاصةً بَعد إِعْمَالِ إتفاقية الجات . وأَغلبَ مصانِعُنَا لا تَصِلُ حَاليا إلى حَجمِ الوِحدة الإقتصادية العالمية ، وَهو مَا يُحتِّم عَلينا زِيادة حجم كل مَصنعٍ على حدة لِنواكب الحَجم الإقتصادى لِكلِ وحدةٍ إذا كنا نرغب فى إنقاذِ الصنَاعة ؛ وهذا الأمر يَتَعارض مَع إتجاه الحكومةِ المنشورِ بِالصحف فى اليومين الأخيرين ، وإتِّجَاهِهَا لِبيعِ الأراضى المملوكةِ للشركات والغَيرِ مُستغلة ، وذلك لِتمويلِ العَجز المَالى للشركات ؛ فإن تَمَّ ذلك فإنه يكون قَدْ قُضِىَ على هذه الصناعات بالإنتهاءِ مِن مِصر .
3-   لاتُوجد كَوادر فَنيةٍ جيدة لإدارةِ الصِناعة بَعد أن تَقَاعَدَتْ القياداتِ القديمة التى كانت تدير الشركات ، ويَلزم إنشاء كوادر جديدة ؛ ولِلحصولِ على ذَلك فإنَّهُ يَلزَمُنا الخِبْرَة الأجنبية .
4-   مَاكينات ومعدات المَصانع أغْلَبُها قَديمة غير متطورة ، ونَتيحةً لِتأخُّرِ تطويرِ المعدات أصبَحَ من اللازمِ تَدبير تمويلٍ كَبير ؛ وَيَلزم أيضا حُسن تَدريب العمالة عَلى هذهِ المُعدات حَتّى تُؤْتِى ثِمَارها المَرجُوة من التشغيل .
  وقَدْ يَجْدُرَ بِنا هنا أنْ نَتَذكر كَيْفَ أُنْشِئَتْ هذه الصِّناعة فى مِصر . فَقد بَدَأَتْ بِمشاركةٍ بين أحَد أهَمّ الإقتصاديين فى تَاريخِ مِصر ، وهو طلعت حرب باشا بِواسطةِ بنك مِصر الذى أنشأه ، مَع أساطِين تِلك الصِّناعات فى بِريطانيا فى هيئةِ شَركاتٍ مساهمةٍ سَاهَمَ فيها المصريينَ بِمعظمِ رَأسِ المال ، وسَاهم كُلٌ مِن بنك مِصر والشُرَكاء الأجانب بِبَعضِ رأسِ المال ، وجاء ذلك كُله تحت مِظلةِ شَركاتٍ مُساهمةٍ مصريةٍ يَتم التّداول عليها بِالبورصَةِ المصرية ، وتَولّى الجَانِب البِريطانى الإدارة الفنية بداية حتى تَمّ بِناءُ الكَوادر الفنية المصرية التى إستمرت فى إدارة هذه الشركاتِ بنجاحٍ بَعد إنسحابِ الكوادِر الأجنبية الواحد تلو الأخر . ومَع تَأميم الشركات ، وبعد فَترةٍ زمنيةٍ ثَبَتَتْ الشركات على وَضعِها بَيْنَما تَطَوّرَتْ الصناعة فى العالم حتّى أصَابَ صِنَاعَتِنَا التّخَلفَ الذى نراه .
  وقد أَرَادَ الرئيس الراحل أنور السادات إعَادةَ بِناءِ هذه الصِناعة بِالإشتراكِ مع الإقتصادى أحمد فؤاد رَئيس بَنك مِصر فى هذه المُدة ، فقام بِإنشاءِ شَركاتٍ جديدةٍ بِاسلوبٍ مُشابهٍ للمذكور ، منها شركة مِصر إيران على نفس الأسس ، ثُمَّ بَعدَ ذلك شَركة العامرية ، إلا أنّ الزَمن لَمْ يُمهِلَهُ لِيتمكن من الوصولِ إلى شَركاتِ كفر الدوار والمحلة والاخريات لإصلاحِها . وقد يكون أيضا من المفيد أن نُبين أنّ شَركةَ العامرية على الرَّغم مِن إنشائِها حَديثاً ، فإنها لم تَعُدْ حاليا تُمَثِّل وحدة إنتاجيةً إقتصادية بَعد أن تجاوزَ حَجْمُ الوِحدةِ الإقتصادية العالمية من الخُيوطِ الصناعيةِ حَجْمَ إنتاجِ الشركة بمراحل ، وهو ما تَسببَ فى مشاكلها الحالية .
   لِذك فإننى أتمنى أَنْ لا تَتجه الحُكومة إلى بَيْعِ الأراضى الغير مُستغلة والمملوكةِ لِتلكَ الشركات حتى لا تَقضى عَلى أمَلِها فِى التّوسع بِمعداتٍ جَديدةٍ تُزيدُ من استيعَابِها لِلعمَالةِ الزائدة ، وتُزيد من حَجم إنتاجِها لِتواكبَ تِكلفةِ الإنتاج العالمية ، وهو ألأمرُ الذى يُعتبرُ لازما فى حَالة تَطوير المُعدات لإستيعابِ العمالةِ الموجودة حالياً فى تلك الشركات ، وأن نفكر جَدِّيا فى إنتهاجِ السّبيلَ الذى إنتَهَجَهُ طلعت حرب من الشراكة لبناء الكفائة الادارية والفنية المطلوبة لإدارة هذه الشركات .

No comments:

Post a Comment