صناعة الغزل والنسيج بين البيع والإصلاح
طَالعتْنا
صَحيفة الأهرام اليومية فى عدَدِها الصادر فى 20 و 21 نوفمبر 2013 من خلالِ إجتماعِ
مجلسِ الوزراء بشأنِ بيعِ أصُول شركات
الغزل والنسيج لِسدادِ مديونياتها ، وكان يَجْدُر أن يَكونَ عُنوانُ الخبر هُو
إصلاحُ شركاتِ الغزل والنسيج ، تِلك التّى كَانت رَائدةً للصناعاتِ المِصريةِ فى
وقتٍ سَابق . ومن المُؤكد أن بَيْع أراضى الشركات لا يُعدُ إصلاحاً لها ، بل قد يَكون
فِيه القَضاء على هذه الصّناعةِ العَريقة فى مِصر .
ولِلنظر
فى إصلاح تِلكَ الشركات يَلزمُ أولا تَحديد الأسباب التى أدّتْ إلى إنهيارِ
الصناعة ، والتى يُمكن تَلخيصُها فى ألأتى : مَاكيناتٍ قَديمةٍ يَلزمُ لِتشغيلِها
عَدَدٌ أكبر مِن العُّمال - عَمالةٌ غَير مدربةٍ ، وأعدادُهم أكبر من المطلوب - كَوادِرَ
إداريةٍ ضعيفة - المُنتجات المطلوب إنتاجِها أغْلَبُها يَعتمد على التّغيير ويَلزم
أنْ تُواكب الموضة ، بينما لا تَحتوى الشركات على كوادرٍ قادرةٍ على عَمل تَصميماتٍ
متطورة - مَخزون كبير مِنَ المُنتج النِّهائى بِلا طَلبٍ بالآسواق .
ويَلزمُ تَصويب جَميع هذه الأُمُور حَتّى تَنصلح
الشركات ، والمطلوب هو :
1-
عَمالة مُدربة تَعمل بِكفائة ، لذلك يَجب تَجهيز
مَعاهد التدْريب لِرفع كَفاءةِ العمال ، كَما يلزم بِالضرورةِ تَغيير قانون العمل
بِحيثُ يُصبحُ إستمرارَ العاملِ فى عَمَلِهِ مُتوقِّفٌ على إنتاجِهِ مِنْ كَمٍ وكَيْف
، فإن عَقد العمل الحالى لِيْسَ مِنهُ مَخرجاً ، وإجراءات الفَصْل مُعَقّدَةٌ جِداً
، وهى السبب المُباشر فى تَفَشى الإهمال .
2-
صِناعة الغزل والنسيح هى فى الواقع صِناعاتٍ
عَديدةٍ ، فمنها الغزل ، ومنها النسيج ، ومنها إنتاج أنواع الخيوط المختلفة ، ومِنها
الخامات المختلفة اللازمة للطباعة ، وِمنها الصِّباغة والتحهيز ؛ ولكلٍ مِنْ هَذِهِ
الأنواع وِحدة إقتصادية من حَيثُ حَجم الإنتاج . وقد تَزايدَ فى الأعوامِ الأخيرةِ
حَجم الإنتاج للوحدةِ الإقتصاديةِ بِحيثُ أنّهُ لو قَلّتْ كِميةُ الإنتاج عن الحجم
الإقتصادى ، فإن مَعنى هَذا إرتفاع تَكْلُفَةُ المُنتجِ عن مَثيلِهِ فى الأسواقِ العَالمية
، وهو ما يَعمل لَيسَ فَقط عَلى ايقافُ عملياتِ التصدير ، بل ويُزيدُ من خَسائرِ
الشركات ، خَاصةً بَعد إِعْمَالِ إتفاقية الجات . وأَغلبَ مصانِعُنَا لا تَصِلُ حَاليا
إلى حَجمِ الوِحدة الإقتصادية العالمية ، وَهو مَا يُحتِّم عَلينا زِيادة حجم كل مَصنعٍ
على حدة لِنواكب الحَجم الإقتصادى لِكلِ وحدةٍ إذا كنا نرغب فى إنقاذِ الصنَاعة ؛
وهذا الأمر يَتَعارض مَع إتجاه الحكومةِ المنشورِ بِالصحف فى اليومين الأخيرين ، وإتِّجَاهِهَا
لِبيعِ الأراضى المملوكةِ للشركات والغَيرِ مُستغلة ، وذلك لِتمويلِ العَجز المَالى
للشركات ؛ فإن تَمَّ ذلك فإنه يكون قَدْ قُضِىَ على هذه الصناعات بالإنتهاءِ مِن مِصر
.
3-
لاتُوجد كَوادر فَنيةٍ جيدة لإدارةِ الصِناعة
بَعد أن تَقَاعَدَتْ القياداتِ القديمة التى كانت تدير الشركات ، ويَلزم إنشاء
كوادر جديدة ؛ ولِلحصولِ على ذَلك فإنَّهُ يَلزَمُنا الخِبْرَة الأجنبية .
4-
مَاكينات ومعدات المَصانع أغْلَبُها قَديمة
غير متطورة ، ونَتيحةً لِتأخُّرِ تطويرِ المعدات أصبَحَ من اللازمِ تَدبير تمويلٍ
كَبير ؛ وَيَلزم أيضا حُسن تَدريب العمالة عَلى هذهِ المُعدات حَتّى تُؤْتِى ثِمَارها
المَرجُوة من التشغيل .
وقَدْ
يَجْدُرَ بِنا هنا أنْ نَتَذكر كَيْفَ أُنْشِئَتْ هذه الصِّناعة فى مِصر . فَقد بَدَأَتْ
بِمشاركةٍ بين أحَد أهَمّ الإقتصاديين فى تَاريخِ مِصر ، وهو طلعت حرب باشا بِواسطةِ
بنك مِصر الذى أنشأه ، مَع أساطِين تِلك الصِّناعات فى بِريطانيا فى هيئةِ شَركاتٍ
مساهمةٍ سَاهَمَ فيها المصريينَ بِمعظمِ رَأسِ المال ، وسَاهم كُلٌ مِن بنك مِصر
والشُرَكاء الأجانب بِبَعضِ رأسِ المال ، وجاء ذلك كُله تحت مِظلةِ شَركاتٍ مُساهمةٍ
مصريةٍ يَتم التّداول عليها بِالبورصَةِ المصرية ، وتَولّى الجَانِب البِريطانى
الإدارة الفنية بداية حتى تَمّ بِناءُ الكَوادر الفنية المصرية التى إستمرت فى
إدارة هذه الشركاتِ بنجاحٍ بَعد إنسحابِ الكوادِر الأجنبية الواحد تلو الأخر . ومَع
تَأميم الشركات ، وبعد فَترةٍ زمنيةٍ ثَبَتَتْ الشركات على وَضعِها بَيْنَما تَطَوّرَتْ
الصناعة فى العالم حتّى أصَابَ صِنَاعَتِنَا التّخَلفَ الذى نراه .
وقد
أَرَادَ الرئيس الراحل أنور السادات إعَادةَ بِناءِ هذه الصِناعة بِالإشتراكِ مع
الإقتصادى أحمد فؤاد رَئيس بَنك مِصر فى هذه المُدة ، فقام بِإنشاءِ شَركاتٍ جديدةٍ
بِاسلوبٍ مُشابهٍ للمذكور ، منها شركة مِصر إيران على نفس الأسس ، ثُمَّ بَعدَ ذلك
شَركة العامرية ، إلا أنّ الزَمن لَمْ يُمهِلَهُ لِيتمكن من الوصولِ إلى شَركاتِ
كفر الدوار والمحلة والاخريات لإصلاحِها . وقد يكون أيضا من المفيد أن نُبين أنّ شَركةَ
العامرية على الرَّغم مِن إنشائِها حَديثاً ، فإنها لم تَعُدْ حاليا تُمَثِّل وحدة
إنتاجيةً إقتصادية بَعد أن تجاوزَ حَجْمُ الوِحدةِ الإقتصادية العالمية من الخُيوطِ
الصناعيةِ حَجْمَ إنتاجِ الشركة بمراحل ، وهو ما تَسببَ فى مشاكلها الحالية .
لِذك
فإننى أتمنى أَنْ لا تَتجه الحُكومة إلى بَيْعِ الأراضى الغير مُستغلة والمملوكةِ
لِتلكَ الشركات حتى لا تَقضى عَلى أمَلِها فِى التّوسع بِمعداتٍ جَديدةٍ تُزيدُ من
استيعَابِها لِلعمَالةِ الزائدة ، وتُزيد من حَجم إنتاجِها لِتواكبَ تِكلفةِ الإنتاج
العالمية ، وهو ألأمرُ الذى يُعتبرُ لازما فى حَالة تَطوير المُعدات لإستيعابِ
العمالةِ الموجودة حالياً فى تلك الشركات ، وأن نفكر جَدِّيا فى إنتهاجِ السّبيلَ
الذى إنتَهَجَهُ طلعت حرب من الشراكة لبناء الكفائة الادارية والفنية المطلوبة
لإدارة هذه الشركات .
No comments:
Post a Comment