اليوم الثانى عشر
منذ عزل الرئيس السابق إنقسم أصحاب الرأى إلى
فريقين ، وعلى الرغم من إتساع الفجوة العددية بين الفريقين ، إلا أن التاريخ علمنا
أنّ ألأقليات قادرة على إعاقة تقدم الأمم، ولذا نصت دساتير العالم المتحضر على أنّه
لا يجوز للأغلبية أن تجتمع على تكدير الأقلية أو حِرمانهم من حقوقهم الطبيعية ،
فبهذه الشروط فقط يتسنى للأغلبية حكم البلاد .
وإذا تأملنا ألأحداث فى مصر فى فترة حكم
الإخوان فإننا سنجد إنهم حصلوا على أغلبية أصوات الصناديق فى الإنتخابات البرلمانية
ثم الرئاسية ، إلا أن الأقلية المثقفة منعت الإخوان من تطبيق معظم ما أصدروا من
قوانين . ولجأ الحكم الإخوانى مرة أخرى إلى الصناديق لإقرارِ دستورٍ صَدَرَ بِلا
دراسةٍ من واضعيه ، ولا دراسةٍ من أغلب ممن أدلوا بأصواتهم فى ألإستفتاء عليه ، فإذا
بالنتيحة فى صالح إقرار الدستور ، ومرة أخرى لم تقبله الأقلية المثقفة فلم تتحقق
منه أى فائدة للأغلبية .
فأصيبت الدولة بحالة من شبه التوقف مرة أخرى ،
ولست أرغب فى تحميل مسئولية هذا التوقف للإخوان بإنهم زلوا بإنتاجِ قوانينَ سَيِّئة
، ودستورٍ سيئ ، حتى أنهم هم أنفسهم طلبوا تعديل بعض مواده ، وأيضا لا أرغب فى
تحميل مسئولية هذا التوقف للمثقفين بأنهم حسب مايقول الفريق ألآخر ، يريدون تعطيل
حكم الإخوان . ولكننى أرغب فى الوصول إلى نتيجة هذه التصرفات ، وما يمكن إستخلاصه
من هذه الحقائق هو أنّه لا يمكن أن يتقدم حاكمٌ بِبِلادِهِ إذا لم يَرْضَى عنه فُرَقاء
الوطن .
وقد يظهر هذا جلياً إذا نظرنا إلى بعض الدول
الغربية ، فمثلاً فى أمريكا إذا عقدنا مُقارنَةً بين الرئيس كلينتون والرئيس
أوباما فإننا نجد أن الرئيسان من الحزب الديمقراطى ، وأن الكونجرس الأمريكى كان فى
مدة الرئاستين فى حالة شبه تعادل فلم يكن لأى حزبٍ أغلبية مؤثرة ، وعلى الرغم من
هذا فإن الرئيس كلينتون إستطاع أن يدير الرئاسة ببراعة منقطعة النظير ، حتى إنتهى ألأمر
إلى التسليم بأنه من أحسن من تَرَأسَ أمريكا ؛ بينما تشير التقديرات إلى أن أوباما
يحتل مركزاً متأخراً فى هذا الصدد . والسر فى هذا حسب قول معظم المحللين يرجع إلى
قُدرة الرئيس كلينتون على التواصل مع الفرقاء وإرضاء طرفى الكونجرس فى معظم
القوانين العامة ، وأيضا فى جميع القرارات المصيرية التى إتخذها .
وقد مر الوطن منذ عزل الرئيس مرسى بمراحل
متعددة ، فقد أخذ كل فريق مبدئياً بِتعبئةٍ نفسيةٍ لِمؤيديه شملت الخُطَبْ من
المنصاتِ ومن خلالِ البرامج المرئية والمطبوعات ، ثم تلا ذلك إتجاهٌ عَام لإستخدام
القوة من كلا الفريقين ، ثم تدخلت الحكومة بأن طلب وزير الدفاع فى نداءٍ عام أن تُؤيدهُ
القوى الشعبية فى مظاهرةٍ حاشدة لكى يحصل على شرعيةٍ يُواجِهُ بها ألإرهاب . وقد فَهِمَ
الشعبُ من هذا النداء أنَّه يقصد فض إعتصامات الإخوان بالقوة ، ونزلت الجماهير
بالملايين إلى الميادين كَطلبِهِ .
ثم تلا ذلك موجة من التعقل والتروى بعد زيارة
العديد من ممثلى الدول الكبرى ودعوتهم إلى نبذ العنف .
ثم تلا ذلك موجة من تغيير إتجاهات الحكومية ،
والدخول بأسلوب ما فيما يشبه المفاوضات ، حتى وصلنا إلى اليوم الثانى عشر دون قرار
أو توجهٍ واضح .
وقد نلاحظ من توجهات المواطنين ، فى المدن
الكبرى على وجه الخصوص ، انه يظهر توجه الجماهير من كلا الطرفين الى الرغبة فى إستخدام
العنف فى التعامل مع الطرف ألأخر . وجديرٌ بالذكر أنه عندما تنزلق الأمم عموما إلى
العنف ، فإنه بعد فترةٍ من الزمن يصبح موضوعُ مَنْ مِنَ الطرفين بدأ بالعنف موضوعاً
غَيرَ ذِى بالٍ .
وقد نلاحظ من خلال دور الحكومة فى فترة
الأيام الإثنى عشر النقاط التالية :
1-
الحكومة لم تجرى أى دراسة للوقوف على رأى قاعدة
الناخبين بطريقةٍ علمية .
2-
أن العالم قد إستقرَّ الرأىُ لَديهِ على أن يَرتَكِنَ
إلى صناديق الإنتخابات لِتوثيق الإختيار الديمقراطى للشعب ، وليس عن طريق جمع
التظاهراتِ والمباهاةِ بأعدادها .
3-
يغيب عن الناس أن أَى حكومة غير منتخبة لا
تملك من القوةِ قدراً يَكفى لإجراء التعديلاتِ الجوهريةِ أو الجريئةِ المطلوبة
لدفع عجلة الإنتاج فى الوطن وتقدمه حتى يتحسن وضع المواطنين ، أو أن يجدوا حلولا
لمشاكلهم .
4-
وبالتالى فإن الإطالة فى الفترةِ الإنتقالية ،
لاريب ، سيكون لها آثار سلبية على إقتصاد المواطن ، وهو ماحدث فى الفترة
الإنتقالية السابقة ، ثم زادَ الطينُ بِلةً أن الرئيس المنتخب لم يفعل شيئا فى
خلالِ إثنى عشر شهراً مِن حُكمهِ لدفع الإقتصاد ، بل ساهم بأفعاله بِقدرٍ كبيرٍ فى
النزول بالمؤشراتِ ألإقتصادية .
5-
تجدر الإشارة إلى أنَّهُ عند إغتيال الرئيس
أنور السادات فى 6 أكتوبر ، فيحب ألا ننسى أن الرئيس حسنى مبارك حَلفَ اليمينَ فى
24 أكتوبر رئيساً لِمصر بعد أن تم ترشيحه والإستفتاء عليه ، على الرغم من أن
الدستور كان يسمح بشهرين لإنتخاب رئيس للجمهورية . وقد نلاحظ أن قِصَرْ المرحلة
الإنتقالية السابقة لإختيارِ حسنى مبارك رئيسا قد أفاد البلاد كثيرا كنتيجةٍ
لإستقرارِ السلطة فى الوطن ، وهذا أمرٌ على جانب كبير من الاهمية . بالإضافة إلى
أن هذا الإجراء قد منع تدخل أى أطراف أجنبية فى شئون مصر.
6-
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس حسنى مبارك تولى
السلطة فى وقت كانت جميع القوى السياسية والدينية مُسْتَنْفَرةٌ ضد السلطة وضد
بعضها البعض ، إلا أنه إنتهج سبيلا ناجحا للتهدئه حتى إستقر وضع البلاد .
7-
حَكَمَ الرئيس حسنى مبارك لمدةٍ طويلة بدستور
شبه سيئ ، إلا ان حُكمَهُ كان مَقبولا من الشعب فلم يخرج الشعب لعزلهِ ، بل
وانتخبهُ مراتٍ الى أن أصاب حُكمه الجمود .
8-
فى أكثر من مناسبة شاب بعض تصرافات الرئيس
حسنى مبارك مخالفاتٍ دستورية إلا أن الشعب لم يَثُور لها . وقد نُلاحظ أن قدر
الرفض الذى حصل عليه الرئيس حسنى مبارك فى ثلاثين عاما ، حصل عليه الرئيس مرسى فى
عام واحد . وقد خالف أيضاً الرئيس مرسى الدستور الذى صنعه ولكن الشعب لم يقبل هذه
المخالفات فثار عليه لها ، وكذلك كان تدنى آدائه فى الرئاسة سببا إضافيا .
9-
يحب أن نحدد أسباب الوضع الذى وصلنا إليه
اليوم . فهل هو بسبب الدستورِ السيئ أم بسببِ إختيارِ الشعب لرئيسٍ سيئ يَنْتَمى لِجماعةٍ
سيئةٍ .
-
فإذا حصلنا المعانى السابقه ، يكون القرار
السديد هو الدعوه الفورية لإنتخابات رئاسية ، دون مخاوف من أن يستبِدَّ بنا رئيسٌ
آخر ، فقد تَمرسَ الشعب فى عزل الرؤساء ، ويبقى أن يتدرب على حسن الإختيار . ولا
يوجد أى طريق مختصر يعلم الشعب الإختيار الحسن إلا بالممارسه الفعليه .
-
ويجب ألا ننسى أن رئيسا مؤيدا بالصناديق تكون
له سلطة أوسع فى التعامل مع الارهاب سواء كان إرهابا فكريا أو ماديا .
-
كما يجب ألا ننسى أنه فى حالة الدعوة
للإنتخابات فإن إختيارات الإخوان ستنحصر فى إختيارين لا ثالث لهما ، إما الإشتراك
مع فض الإعتصامات ، أو تجنب العمل السياسى . وكلا الإختياران يقع فى صالحِ الشعب
المصرى خاصة بعد تدنى شعبيتهم على النحو الذى رأيناه .
-
يجب علينا المقارنة بين قضاء فترةٍ إنتقاليةٍ
لن تقل عن تسعة أشهر بأحسن الفروض مع ما يحمله هذا ألإختيار من تأخرِ الإقتصاد ،
وهو ما يمنح الإخوان غذاءً لحملتهم الإنتخابية القادمه ؛ وبين أن نستغل فرصةَ تَدنى
شعبيتهم لنُؤسِّسَ لِدولةٍ متقدمةٍ بِفكرها وبِعلمها ، وهو ما سَيُشعر المواطنين بتقدمٍ
فى حَياتِهم ، ويذكى لديهم إختيار الحاكم بالعلم وليس بالعاطفة .
عبد السلام الشاذلى